2- متخيل الديستوبيا الغربية في مشروع الحسامي النقدي (جزء1)

 


#إشارات_أدبية

ضِمن مشروعه الدءوب، وعطائه المتجدِّد في قراءة الخطاب بأنواعه الشعري والسردي، هذا جهدٌ نقديٌّ رصيٌن ومختلفٌ يقدِّم فيه الأستاذُ الدكتور عبد الحميد الحسامي قراءةً عميقةً عن "الديستوبيا" أو "اليوتيوبيا" المضادَّة، أو المدينة الفاسدة -كما جرت العادةُ في تعريفاتها المتعددة- وهي في جزئها الأول قراءة في الرواية الغربية ذات الخصوصية الديستوبية السِّياسية، بدأت الدراسة برواية (العِقَب الحديدية)، لجاك لندن (1907م) التي كانت نقدًا لهيمنة الرأسمالية، ثم رواية (نحن) للروسي يفغييني زامياتين (1920م)، التي تمكَّنت من ممارسة نقدٍ عميقٍ للمؤسَّسة السياسية الاشتراكية، ثم رواية (عالم رائع جديد) لهكسلي (1931م) التي قدَّمت مرثيةً للعالم الذي تهيمن فيه قوى سياسية تتوسَّل بالتقنية في إنجاب البشر في معامل تقنيَّة، وصياغتهم عبر برنامج في مراكز هندسية متخصِّصَة، وتنميط المجتمع إلى فضائل، ثم تأتي رواية (مزرعة الحيوان) لجورج أورويل (1945م) التي كانت مجازًا روائيًّا مركَّبًا في نقد النظام الماركسي من خلال توظيف المعادل الحيواني في تشكيل عالم الرواية، وبلغت الرواية الديستوبية السِّياسية ذروةَ توهجها-كما يرى المؤلف- في رواية (1984) للكاتب نفسه ألَّفها عام 1948م.

يقدِّم الكتابُ تمهيدًا عن المصطلح والمفاهيم، وعن رواية الديستوبيا بين الفنون الروائية الأخرى، وعن الهوية الأجناسية، وجذور الرواية الديستوبية، ثم في فصوله الأربعة حديثٌ نقدي وإحالات مرجعية مهمَّة في غُرر المراجع السَّردية التي تناولت الروايات من الدراسات الغربية، والعربية المترجمة، وقد وقفَ الباحثُ على أبرز ما في تلك الروايات ومقاربتها من خلال متخيَّل الشخصية الروائية، وهي الشخصية المهيمنة في الروايات الخمس، والشخصية الضِّدية، ثم متخيل المكان الروائي: الملتبس بالواقعي، والمكان العدو وتلاشي الأبطال، والمكان الآلي وطغيان المتخيل، والمكان الضدِّي ونزعة الحضور، ثم متخيل الزمن الروائي مُتتبِّعًا له في الروايات الخمس مرتبةً، ثم أوقف الفصل الأخير للغةِ مبيِّنًا المعجم السياسي، واللغة الجديدة والمفارقة، والحذف البصري، واللغة المقموعة.

الدراسةُ ذات أهمية واضحة في أهدافها وغاياتها كونها تقارب الخطاب الروائي من داخله لتقديمه في سياق منهجي يجمع بين طابع الشعرية، والسوسونصية، والتاريخية، وتأتي الدراسة في وقتٍ يبدو العالم فيه غير مستقر، ولهذا تبرز مثل هذه القراءات النقدية المهمَّة لمراجعة المنجز الروائي لبيان علاقة السُّلطة السِّياسية بالمجتمع، وظواهره المستجدَّة من استبداد وإرهاب وقهر وحروب، بما يجعل النقدي يندمجُ مع الواقعي، ويستشرف المستقبلي، ويستثمر الجمالي في إعادة النظر في بنية تلك النصوص، واستنطاقها، واستنباطها لبيان (فساد المدينة) وآفاتها الماضية منها والقادمة.

#يقول_الحسامي: "إن (المدينة الفاسِدة) أو (الديستوبيا)- التي هي ضد اليوتوبيا- تعدُّ ظاهرة من ظواهر الأدب في العصر الحديث؛ انشغل بها عددٌ من الروايات، حين رأى المبدعون أنَّ أفقَ الحياةِ الجميلةِ صار غائمًا، ملبَّدًا بغيوم تنذر ولا تبشِّر، من خُلَلِها يبدو شَرٌّ مستطيرٌ، تنتظره البشرية بسبب الاستبداد، والحروب، واغتيال الإنسان أزهار المحبة، وانسحاق معنى الإنسانية في عالم البشر، وتفشِّي الإرهاب الذي يلتهمُ الأخضرَ واليابس...". (يتبع-الجزء الثاني...)


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماذا تعرف عن الحيمة الخارجية؟!

كتاب (الإعلان بنعم الله الواهب الكريم المنان...) كتابٌ يمنيٌّ فريدٌ ومدهشٌ يضمُّ ستة كتب في الصفحة الواحدة

24- الأستاذ الدكتور إبراهيم الصلوي (أستاذ اللغة اليمنية القديمة)