11- (شمسُ نجيب التركي الشِّتائية)
11- (شمسُ نجيب التركي الشِّتائية)
بقلم: د.#إبراهيم_أبوطالب
#إشارات_أدبية
هذه الرواية الأولى للكاتب اليمني الشَّابِّ نجيب عبد الرزاق التركي، أطلق عليها في إهدائه (التحدِّي الأول)، تقعُ في تسعة فصول، وفي (109) صفحات من القطع الصَّغير، صادرة عن (أوسكار بوك)، صنعاء، ط1، 2023م.وهي العمل الثالث له، سَبَقها: شيء من أثر (ق ق ج)، ولحقها: كرنفال، (مجموعة قصصية).
الرواية تحكي قصَّةَ حبٍّ بين (مَي) بطلة الرواية، و(جمال) صديقها الذي عمل معها في عددٍ من الأعمال الإنسانية عبر منظَّمات داخلية تخفِّف عن النَّاس أحزانهم ومعاناتهم، و(جمال) هو بطل الرواية المقابل، وهو الراوي العليم في سرد الأحداث أيضًا، وتأتي شخصياتٌ رئيسةٌ، مثل: (سندس، ووردة الله)، وأخرى ثانوية عابرة مثل: (وَضْحَى- الشَّابة الثلاثينيَّة-، وغُصون- الأخت الكبرى لمي- وحمادة- نادل المقهى-، وغيرها) لتكون شخصيات مساندة لعلاقة الحبِّ غير المنتهية بين هذا الشَّاب وبين (مَي) المريضة بالسَّرطان، ولكنَّها تقاومه، ولعلَّها تحملُ أكثر من بُعدٍ في المتخيَّل السَّردي، من أبرز تلك الأبعاد أنها شخصيةٌ تمثِّل معادلًا رمزيًّا وموضوعيًّا في الوقت نفسه، فهي تمثِّل (اليمن) بكلِّ ما فيها من جمال، وروح عذبة، وإصرار، وحياة تخالطها الطموحات والآلام والأحزان، والأمراض والمعاناة، ولكنَّها تكافحُ من أجل البقاء، وستنتصر في ختام الرواية، وتتعافى، وتبدأ صفحةً جديدةً في حياةٍ تنبعثُ من بين ركام الأمراض والأحزان.
الروايةُ مفعمةٌ بجمال اللغة، وشعريتها التي استطاع بها الكاتبُ أن يمتلك زمام الحبكة، ويستمر في عرض الحكاية التي لولا تلك اللغة وجمالياتها وسرها في الوصف والسرد لما تمكَّن من الجذب عبر صفحات الرواية؛ لأنها تميل إلى عالم الحكاية الرومانسية المتكرِّرة عبر رسائل شابٍّ يتفتَّح قلبُه لزميلةٍ له شاركها العمل التطوعي، ثم سارا معًا بسبب ذلك العمل عبر شوارع مدينة (صنعاء)، ولقاءاتهما في أماكن شهيرة في المدينة مثل: (سمسرة وردة، وسمسرة النّحاس، وغيرها من مقاهي المدينة العتيقة) -كما يسميها- وخلال لقاءات، وتداخلات بين الصَّديقات، والحديث حولهنَّ، وعنهنَّ، ووصف مشاعره المختلطة الباحثة عن (مَي) في صديقاتها وحكاياتهن عنها، ولا يخلو الحبُّ مِن عذولٍ أو ناصحٍ أو واشٍ، ولهذا تبتكر الرواية شخصيةً تمثِّلُ ذلك الدور هي شخصية (العم علي)، كما تحضر الأسرةُ المتفتِّحة ممثلةً في والد (مي) الذي يتعرَّف على (جمال)، ويحيِّيه على العمل الذي يقوم به مع (مي) في سبيل رفع معاناة الناس، والسَّعي في الخير، كما يتمثَّل اللائمُ والمعاتبُ وغير المتفهِّم لتلك العلاقة في بقية أفراد العائلة المحافظة.
وتمضِي أحداثُ الرواية التي تبدأ بمرض (مَي) وسقوطها مغشيًّا عليها، وتظلُّ حالتها بين استرجاعٍ للمرض وحالة (مَي) معه، واسترجاع من الرواية للقاءات، ومراسلات بينهما، وحوارات ظاهرها حول العمل، وباطنها لهفة، ووصف مشاعر من قِبَل (جمال/الراوي) نحو الفتيات الثلاث.
وتنتهي الحكايةُ بالأمل الذي كاد ينقطعُ في مواطن كثيرة من فصول الرواية حول علاقة الحبيبينِ ببعضهما بسبب المرض وعدم وضوح تلك العلاقة أو أخذها الطابع الرسمي من خطوبة أو زواج، لكن بادرة شفاء (مي) ونجاح تَطبيبها خارج الوطن، بعد فشل أطباء الداخل في علاجها يفتح نافذةً لنهاية مفتوحة في آخر الرواية تعبِّر عن أمل في التَّعَافي العام، لما أشرنا إليه عن المعادل الموضوعي للرواية، فـ(مَي) ليست سوى حلم العافية، وروعة اللقاء، وانفتاح الحياة على مستقبل حالم جميل، يحلمُ به كلُّ محبٍّ وعاشق لتلك المحبوبة الرمز، والحبيبة الأنثى.
زمنُ الروايةِ يمضي في خطٍّ أفقي يتخلَّله بعض (الفلاشباك) في علاقة الحبيبين، وما يحيطُ بهما من ذكريات وأحداث، ومن حيث المكان تأتي (صنعاء) بشوارعها، وأماكنها التراثية الجميلة، وسوقها القديم، ومقاهي سمسرة وردة والنِّحَاس، ومقشامة القَاسِمي، وغيرها لتكونَ فضاءً للأحداث، والشخصيات، واللقاءات، ومن خلالها يشير الكاتبُ عرضًا إلى أوضاع (اليمن) من حربٍ، وحالات فقر، وانقطاع رواتب، وعدم نظافة، ومعاناة عامَّة...
وأمَّا اللغة (وصفًا، وحوارًا، وسردًا) فهي لغةٌ عاليةُ البناء، سليمةُ السبك، مثقفةُ المعنى، تدلُّ على أن الكاتب قارئ ممتاز، ومثقفٌ حاضرُ الربطِ بين ما يقرأ وما يكتب، يظهر ذلك في كثرة الاستشهادات والتضمين مع أسماءٍ عالمية وعربية، من خلال قراءات الكاتب، بعضُها أعلام مشهورة وبعضها دون ذلك، مثل: (عايد رزاق، محمد الفارس، نيتشه، سيمون دو بوفوار، بورخيس، أديب كمال الدين، جلال الدين الرومي، كونديرا، حماقي (المطرب)، أحمد حلمي (الممثل)، دوستويفسكي، يوسا، نزار قباني، فيروز، وغيرهم).
وأسماء الكتب: (مذكرات فتاة رصينة، قواعد العشق الأربعين، ومائة عام من العزلة، ومناخات، وغيرها). وليته يتخفَّف من ذلك الاستعراض للأسماء والعبارات مستقبلًا، ويكفي أن نشير إلى بعض تلك المقولات المضمَّنة في الرواية، ابتداءً مما قبل الإهداء، حيثُ يذكر قول (ماركيز): "الحياةُ ليست ما يعيشه أحدُنا، إنَّما ما يتذكَّره، وكيف يتذكَّره ليرويه"، وقول (ميلان كونديرا): "القدرة على التخيُّل العاطفي وفنّ التخاطر بين الانفعالات هو الشُّعور الأسمى في سُلَّم المشاعر".
وبالفعل فإنَّ هاتين العَتبتين تدلَّان دلالةً مهمَّةً على عموم الرواية وعالمها، بين حياة تقوم على التذكُّر بين حَبيبين ووصف مشاعر التخاطر عبر الرسائل والحوارات المباشرة وغير المباشرة في ليالٍ طويلةٍ يعيشُها الراوي البطل مع أفكاره وخواطره التي يبثُّها بلغةٍ رومانسيةٍ عاليةِ السَّبك، عذبةِ البناء، وهي روايةٌ ناجحةٌ بوصفها أوْلى محاولات الكاتب وتحدِّياته، ولها ما بعدها في تجربة تبدو طامحةً، مُتدرِّعة بثقافة سردية منفتحة.
#يقول_نجيب_التركي: "احتراقك لأجل مَن تحبُّ، لا يعني أنهم سيتحولون إلى مصابيح.
من أين يا ترى أبدأ بالحديث؟
كانت "مي" فاتحة الوجد، كأوَّل العيد، كنصف القهوة، وكآخر فاكهةٍ حملتها امرأةٌ ذات خريف؛ فانتظرتُ إلى أن جاء الربيع ومشيتُ نحوها...".
تعليقات
إرسال تعليق