9- (مجموع الحِفْظِي عن تاريخ عَسير)
9- مجموع الحِفْظِي عن تاريخ عَسير
بقلم: د. إبراهيم أبو طالب
#إشارات_أدبية
هذا الكتابُ له أهميةٌ بالغةٌ بالنسبة لتاريخ منطقة عسير، حيث سجَّل فيه الحسن بن علي الحفظي (ت1406هـ) في فصول كتابه الخمسة: بحوثًا تاريخيةً عن عسير (عن أبها، وأودية عسير، وجبالها، وأشهر قُراها، وقبائلها)، ورسائل تاريخية عن الحالة العلمية فيها تضمنت (26) رسالة فيها من الأدب والبلاغة والشِّعر الكثير مع عددٍ من أعلام (آل الحِفْظِي) أبرزها مراسلات محمد بن أحمد الحفظي مع علماء عصره أمثال: الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود، والغاشمي، وغنام، والمتحَمِي، والإمام الشَّوكاني، وباذيب الحضرمي، والزَّمزمي، وغيرهم من العلماء والأمراء. وفي الفصل الثالث تناولَ تاريخ عسير من قدوم دعوة الشَّيخ عبد الوهاب إلى عهد الأمير ابن عايض من (1800- 1871م)، وفصَّل الحديثَ فيه عن سبعة أمراء، ثم ترجم في الفصل التالي سِير بعض علماء (آل الحفظي)، وأورد منهم ستةَ أعلامٍ، تحدَّث عن حياتهم، وفصَّل فيها كثيرًا مستعرضًا قصائدهم ورسائلهم وأفكارهم وتوجهاتهم التربوية والعلمية بما يشكِّل وثيقةً تاريخيةً وأدبيةً واجتماعيةً مهمة، وختم فصول المجموع بمناظرة فقهاء عسير لأحمد بن إدريس التي جرت عام (1248هـ).
الكتاب صادرٌ عن نادي أبها الأدبي عام 2017م، في (408 صفحة) من القطع الكبير، قام بتحقيقه ابنُ المؤلف الأستاذ علي بن الحسن الحفظي، والدكتور علي عوض آل قُطب، وقد حظي الكتاب بعناية علمية، فهو مخدوم بالهوامش والفهارس العامة.
ومما جاء في مقدمة الكتاب: "إنَّ البيتَ الحفظي اضطلع بمهمة تسجيل، وحفظ العديد من صُور الواقع التاريخي في عسير، لذا كان لهذا البيت الكريم فضلٌ في تدوين الكثير من الوقائع التاريخية، وتقديم مادةٍ علميةٍ كبيرةٍ يمكن من خلالها فهم ومقاربة الواقع التاريخي بعسير خلال القرنين الماضيين على أقلِّ تقدير... كما اشتغل -هذا البيت- بالعلم الشَّرعي، والفكر الديني، وبالأدب، والشِّعر، وكان رجالُه، وأعلامُه، ورموزُه يؤدُّون مهامًّا وظيفية كبيرة تتعلَّق بالتعليم، والقضاء، والإمامة، والإصلاح بين أفراد المجتمع... وكان من جملة هذا التراث الضَّخم هذا المجموع".
وقد ترجمَ المحققان للمؤلف، ووصفا المجموع وصفًا علميًّا دقيقًا، وتم ترتيبه وفق الفصول الخمسة- سابقة الذكر- وبيَّنا منهجهما في التحقيق، ولكنهما فيما يبدو قد اعتمدا على نسخة واحدة، حيث لم يشيرا إلى نسخ أخرى من هذا المخطوط.
ومما استوقفني في الكتاب رسالة الشَّيخ محمد بن أحمد الحفظي (ت1237هـ)، للإمام الشَّوكاني (ت1250هـ) وهي من غُرر الرسائل الحفظيَّة فصاحةً وبلاغةً وسلاسةً وجزالةً، وقد "أرسلها إلى أوحد علماء القطر اليماني محمد بن علي الشَّوكاني يتحدَّث فيها عن الوقت، وتقلُّبات أهله، وغربة دين الله فيه"، ومما قال فيها نثرًا بعد البَسملة والحمدلة والسَّلام: "أيها الشَّيخ الأمين المرشد وعلى كافة الطلبة الميامين، ويا ليتني كنتُ مع أولئك الأحباب من جملة الطلاب، خاملا عند الباب... أما بعد: فصدورها لما أنِسناه من أخباركم، وسمعناه من لطيف طباعكم، (والأذن تعشق قبل العين أحيانا). وكفى شرفًا باتِّباع السُّنة النبوية عند غُربتها، وغُربة من يعرفها، ولغربته أعظم كما قاله بعض من يصفها. والسؤال عنكم كثير، والشَّوقُ إليكم غيرُ يسير، ونحن نحمد الله ونشكره لديكم، ونسأله تمام نعمه ودوامها علينا وعليكم...".
ثم يضمِّنها شعرًا من نظمه، ويقول بعدها:
"وقد وصل منكم العام جواب، وعدتم فيه بإرسال بعض مؤلفاتكم المفيدة، وإني إلى ذلك في الأشواق العديدة، وليس عندي منها إلا القول المفيد، وجزاك الله خيرًا في ذلك القول السَّديد القاطع لعروق شجرة التقليد لمن ألقى السمع وهو شهيد. وسمعنا بشرحكم المنتقى، ثم تفسيركم لكتاب الله العزيز، ونعم المرتقى..."
وأتبع هذه الرسالة بقصيدة مكونة من (35) بيتًا، منها:
علَّامة السُّنة البيضا وقدوتنا
أهل الحجاز وأهل السَّهل والجبلِ
شَيخي وخلِّي القاضي محمدٍ الـ
ـشوكاني ابن عليٍّ من أتى بعلي
أبقاه ربي في خير وعافيةٍ
يجدِّدُ الدِّينَ في خيرٍ وفي عملِ
ثمَّ السَّلامُ عليه غير مُنحَصرٍ
ورحمة الله بالتفصيل والجُملِ
تحيةً مِن محبٍّ لا يقاربها
طعمُ الزلالِ ولا الصَّافي من العَسَلِ
ولا شميم فتيق المسكِ يشبهُها
ولا الرياح التي تبري مِن العللِ
#يقول_الحفظي: "لقد أجلتُ فكري مليًّا، وأهبتُ بنفسي أن أحاول على بركة الله لعلِّي أبلغ غاية في مسح صحرائه، قمتُ إلى مكتبتي، وعكفتُ على بعض المخطوطات فيها. وكنتُ -على قِلَّتها- أتناول هذا، وأضع هذا للمطالعة والبحث، فإذا بين طياتها صورٌ حيَّةٌ، ومعلومات صادقة عن جبل (عسير) الخصيب دينيًّا وأدبيًّا وتاريخيًّا في أوراق مبعثرة على هيئة مراسلات أدبية، وفرائد شعرية، ودعوة إصلاحية، وبطولات رجال من الماضي العسيري المجيد. فرأيتُ لزامًا عليَّ أن أدوِّن ما اطلعتُ عليه، وأميطُ اللثام عنه، وأجمعُ شتات تلك الأوراق الجديرة بالاعتناء والاعتزاز...".
بقلم: د. #إبراهيم_أبوطالب
تعليقات
إرسال تعليق