3- متخيل الديستوبيا العربية في مشروع الحسامي النقدي (الجزء2)

 


هذا الجزء الثاني من قراءةِ متخيَّل "الديستوبيا" في الرواية العربية، وقف فيها الباحثُ على خمسِ رواياتٍ هي: (الهؤلاء) لمجيد طوبيا، 1976م، و(جلالته الأب الأعظم) لحبيب مؤنسي، 2002م، و(يوتوبيا) لأحمد خالد توفيق، 2008م، و(2084 حكاية العربي الأخير) لواسيني الأعرج، 2015م، و(حرب الكلب الثالثة) لإبراهيم نصر الله، 2016م.

يستعرضُ هذا الجزء الروايات التي لم تُدرَس، وفق منهجية الكاتب، وإن كانت قد أفادت من الدراسات السَّابقة -بحسب قوله- ولكنَّها سعت إلى تتبُّع حركة التحوِّل في مسار المنجر الروائي العربي، منذ السَّبعينيات من القرن الماضي حتى تاريخ نشر الدراسة، واستقراء تفاصيله وآليات اشتغاله، فضلًا عن علاقاته بالمنجز الروائي الغربي للديستوبيا، وقد سارت الدراسة وفق تقسيمات الفصول كما في الجزء الأول، بتحليل متخيَّل الشَّخصية، فمتخيل المكان، فالزمن، فاللغة.

وقفت الدراسة في مباحثها محللةً الشخصية المهيمنة، وآليات الهيمنة- بعد وصف الروايات الخمس تِباعًا- ثم الشَّخصية الضِّدية وأيديولوجية المقاومة، ثم الشَّخصية بين خصوصية التجربة واستدعاء الجاهز باسطةً الحديث في هذا المبحث عن الروايات الخمس كذلك. 

وفي فصل متخيل المكان الروائي، تمَّ تعقُّب المكان المهيمن، والمكان المهمش: الغياب والتلاشي، والتقنية وتشكُّل المكان. وأمَّا في فصل متخيل الزمن فقد وقف على الزمن المرجعي، ثم الزمن الداخلي للروايات الخمس، وكان الفصل الرابع والأخير للغة التي دُرِسَت من خلال العتبات، واللغة الجديدة للروايات، واللغة بين الفصحى والعاميَّة، والحذف البصري، والمفارقة.

ومن أبرز نتائج الدراسة: أنَّ الرواية العربية حقَّقت إبدالًا جماليًّا، ورؤيويًّا مهمًّا ضمن إبدالاتها الراهنة، تتمثَّل في صياغة رواية ديستوبية تنزع منزعًا سياسيًّا في أغلب منجزها. وأنَّ بذور الرواية الديستوبية السِّياسية تمثَّلت في رواية (الهؤلاء)... ثم امتدت لتستقطبَ عددًا من الروايات العربية، ووصلت إلى مرحلة النُّضج في رواية (2084 حكاية العربي الأخير) لواسيني الأعرج. وأنَّ الشخصية في هذا النوع من الروايات تمثَّلت في الشخصية المهيمنة التي تتحكَّم بمصائر العالم، عبر مؤسَّسات الدولة الأمنية، والثقافية، والاقتصادية... وتجعل منها مؤسسات تابعة تنفِّذ سياسة الشخصية المهيمنة، وتعمل على إخضاع كلِّ صوتٍ من شأنه معارضة صوتها.

والحقُّ إنَّ هذه الدراسة تفتح آفاقًا لدراساتٍ نوعيةٍ في مساءلة الخطاب الروائي العربي على امتداده، وفي منجزه الآني والمستقبلي، لتأصيله، وبيان حدود التأثُّر والتأثير فيه، والإبداع والاتباع، الذي يبدو أنَّه ينساقُ وراء الخطابات الروائية الغربية منها أو الشَّرقية، ولا يكاد ينفكُّ عن ذلك إلا فيما ندر، وما أحوج المشهد السَّردي العربي عامةً، والقُطْري لكلِّ بلد خاصَّةً إلى مثل هذه الغربلة، والقراءات الفاحصة بمنهجية علمية واضحة، ولغة دقيقة منصفة، وأفق نقدي صارم.

وفي ظني أنَّ البروف الحسامي- كعادته في البحث عن المختلف في مواطن النقد وآفاقه- قد لامسَ موضوعًا على غاية من الأهمية، وقدَّم دراسة جادَّة بتأملاتها النقدية ورؤاها الاستشرافية، مما يحسب له في مسيرته العلمية والنقدية، ويضيف إلى سجلِّه العامر لبنةً نوعيةً في مساءلة الخطاب الروائي، وسبر عوالمه.

#يقول_الحسامي: "إن الرواية الديستوبية العربية رواية أيديولوجية، سياسية بامتياز؛ تتخلَّق في رحم اللحظة التاريخية الراهنة؛ وتنهمكُ بأسئلة الوعي السِّياسي، وتقدِّم رؤيتها التراجيدية للمجتمع؛ إنها مَحكَمةٌ ضمنيةٌ للفعل السِّياسي الراهن، وللوعي المنتج لذلك الفعل، ولمقومات بنائه، وهي كذلك خطاب ٌ تحذيريٌّ مصبوغٌ بطلائعية استشرافية من نوع ما، تنبثق عن حساسية الفن، ونبوءات الفنان".


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماذا تعرف عن الحيمة الخارجية؟!

كتاب (الإعلان بنعم الله الواهب الكريم المنان...) كتابٌ يمنيٌّ فريدٌ ومدهشٌ يضمُّ ستة كتب في الصفحة الواحدة

24- الأستاذ الدكتور إبراهيم الصلوي (أستاذ اللغة اليمنية القديمة)