أخيرا تجرأت .. ابتسام القاسمي



شهرزاد تتجرأ أخيرا وتعاود الحكي

في مجموعة (ابتسام القاسمي)


د.إبراهيم أبو طالب
   تبدو الكتابة القصصية في أحدث أجيالها اليوم أكثر رشاقة واختزالاً للفكرة والعبارة ومن اللافت للمتابع للجيل الألفيني من الشابات والشباب أنهم يميلون إلى التكثيف في كتاباتهم القصصية، ويركزون على الإيحاء فيها أكثر من التفصيل، ربما يعود الأمر فيما يعود من أسباب إلى طبيعة عصرهم وحياتهم اليومية المتشحة بالسرعة والمرتبطة بثقافة المواقع الإلكترونية الاجتماعية وتأثيرها عليهم مثل: "فيس بوك، وتويتر، وغيرهما "التي تقوم على الإيجاز في التواصل الإنساني،
والانفتاح على الآخر  ذلك الانفتاح الواسع جداً والذي لكثرة اتساعه يحتاج إلى إيجاز لأن الوقت لم يعد في أيدي الناس متاحاً كما كان عليه من قبل. ولذا لابد من اختراع أساليب جديدة في اللغة والإبداع يتناسب وروح هذا العصر المختلف، وفيما يظهر فإن مجموعات قصصية تطالعنا بين حين وآخر متصفة بهذه الروح، ومتمثلة لخصوصية جديدة  تعمق ذلك التواصل، وتؤكد تلكم الظاهرة.
  وبين يدي قراءتي هذه مجموعة جديدة رشيقة البناء، ذكية العبارة، دقيقة الوصف للقاصة الشابة الواعدة " ابتسام القاسمي " تحمل عنواناً كأن فيه صراعا يثمر نتيجة كان لابد  منها (أخيراً..تجرأت) ومن البداية يؤكد على انتصار وإثبات ذات يدعوك إلى الولوج إلى بواطن المجموعة لتدرك في رحلة شائقة ذات روح عميقة شفّافة وفي ذات الوقت ذكية لماحة فيها قدر من الشقاوة البريئة، تنقل إليك تجارب حياة ليست بالطويلة؛ حيث إنها لا تغادر عالم الطفولة،  فتلمُّس مكنونات الذات، فعالم التحصيل الجامعي، وما بينهما هو في مجمله عمر القاصة، حتى كتابة آخر قصص المجموعة، وهي من حيث الزمن الإبداعي- كما تقول قصص المجموعة نفسها- يتراوح عمرها الإبداعي ما بين 14 / 7 / 2005م (قصة عروسة) و 20 / 4 / 2011م (قصة محاكمة)، أي قرابة الست سنوات يظهر فيها مدى قدرة القاصة على تقديم قصص مختلفة، يبدو التفوق فيها على البدايات واضحاً.
   فما بين قصة (عروسة) التي تروي قصة فتاة صنعانية –تحديداً- بحسب لهجة الحوار فيها، وكذا القصد المبرر في تأنيث لفظة (عروس)  لأن القصة - بحسب الهامش – من البيئة الصنعانية، وبين ما لحقها من القصص فَرْقٌ واضحٌ يُحْسبُ لتطور النوع القصصي  في طريق التكثيف، والاختزال، والاعتناء بالدهشة، والغواية الشعرية، ففي حين تقوم قصة (عروسة) على الحكي والسرد التقليدي المعروف بشروطه وآلياته عندما تبدأ من حيث الزمان (بصوت أذان الفجر)، مروراً بعادة الاستفتاح بقراءة آيات قرآنية تدل على بيئة صنعانية لأسرة، هي في الغالب صورة لكل الأسر الأصيلة، ثم تروي يوميات فتاة في إطار أسرة كبيرة تحتوي على مكون الأسرة الصنعانية ذات الطابع الأسري المحافظ على هرم: الأب، والأبناء من حوله بزوجاتهم وأبنائهم، وعادات اجتماعية مكرسة تؤكد بأن الفتاة عليها التزامات ومحظورات تدل على حسن التربية والتأديب، حتى في الكلام والحركات، فلا يحق لها وهي بنت أن تخالط المتزوجات، ولا أن تخرج معهن إلى بيوت الجيران في مناسبة "ولاد" أو "عرس" ولا تحط مساحيق تجميل على وجهها، ولا حتى تبوح بما يُخالج نفسها من أحلام، ولكنها تخفي كل ذلك، وتعيش مونولوجاً داخلياً رهيباً لوحدها، نجحت القاصة في بيانه وتصويره وهكذا  " تمضي الأيام ثم السنوات، و(بشرى) ما زالت تنتظر (البشرى) في غرفتها، تبتسم بحلم كلما شخصٌ دق الباب، وتقفز إلى شرفتها عساها تستبشر به"([1])  (ص 49).

   يا لها من لحظات انتظار، تبدو فيها الفتاة سلبية مقيدة بقيود العائلة وخاضعة لإرادة وهمية مفروضة عليها بحكم القيد الاجتماعي والأسري  الذي يفرض الحجاب كما تقول: في البيت كسياسة عائلية" تحتجب في البيت – كمثيلاتها- " تقيها من النظرات التي تلفح كل من يسرع خطو عمرها، ولا تزال قابعة  في بيت أبيها ولكن هذه الفتاة بشرى، تبدو عالية الثقافة جداً، فهي متدينة تقرأ القرآن وبخاصة سورة (يس) لأن أمها تقول لها بأنها لِمَا قُرِئت له، فهي تستفتح به يومها، وتختتم، ولكنها في الخاتمة تصبح سلبية تستخدم الدين لليأس وليس للتفاؤل، لأنها تقرأ (يس) "آملة أن يقصر الله عمرها" وهذا فيما يبدو متناقض مع ثقافتها التي تجعلها تستشهد ببيت من الشعر يدل على قراءة عميقة للموروث الأدبي، ولا يملكها إلا من امتلك حظاً من المعرفة وافرا، وليست معرفة شعبية عادية، حيث تقول: " تنهدت – في داخلها- متمثلة قول الشاعر:
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت... ويبتلي الله بعض النَّاس بالنعم 
   هذا البيت في مكانه من القصة واستشهاد "بشرى" به يدلّ على ثقافة عالية –كما قلنا- إذن فلمَ هذا التناقض في الشخصية؟! وهل وقعت القاصة في هفوة البدايات بأن تُقَوّل الشخصية الورقية ما ليس من قولها، ومن هنا نجد القاصة بثقافتها لا الشخصية القصصية؟! أم أن القيد الاجتماعي والأُسري كان الأقوى حتى على الثقافة والعلم، فأصبحت ذات أثر سلبي على الفتاة، فبدت أكثر ضعفاً واستسلاماً لمن هنَّ متزوجات؟! حتى وإن كُنَّ أقل ثقافةً، بل لا يجدن سوى ثقافة التبعّل والإنجاب ليضطهدن "بشرى" لمجرد تأخر نصيبها ؟ كل ذلك وارد يحتمله النص.
    وعلى كلِّ حال لعلّ لجوء القاصّة إلى أسلوب السجع في نهاية القصة من علامات المحاولات الأولى التي تدل على الوقوع تحت تأثير القراءة في التراث القصصي حين تختتم بالقول – معلقة على نهاية الزمن القصصي بنهاية اليوم، وقدوم الليل الذي يحمل دلالة عميقة بالنهاية أيضاً للقصة مع إغلاق النافذة، وكذا إغلاق نافذة القصة -: (هجرت شرفتها بدون رجعة، /أطفأت في داخلها للحلم كلّ شمعة، / وأشعلت إثره ألف ألفَ دمعة.)50).

   إنها نهاية حزينة مسجعة والسجع قرين للبكاء هنا، لكنها نهاية تقليدية لعلها تُلْمِح بأنها من قصص البدايات التي ربما جاءت مختلفة عن قصص المجموعة ذات التجانس بناءً ولغة وأفكارا، ربما تشبهها في الميل إلى الحكي قصة " وفاء" وإن كانت أكثر تطوراً من حيث الحبكة القصصية والاشتغال على المفارقة في لحظة التنوير أو النهاية.
   ثمة ملمح بارز عند قراءة المجموعة يظهر من المفتتح الذي جعلته الكاتبة بهواً للدخول إلى عالم مجموعتها لمن أراد أن يتأمل أو ألقى النقد وهو شهيد، هذا المفتتح تقول فيه: " بعد أن فكرت بجدية في الانتحار وبعد أن خاب ظني في الموت.. قررت الحياة" (ص 13).

  إذن هناك صراع رهيب واضح بين الموت والحياة في وجدان الكاتبة كما هو واضح فيما كتبتْ لكن هذا الصراع الذي راودت فكرة الانتحار فيه بجدية يقابله خيبة ظن، ومن هنا يبرز قرار الحياة بضمير المتكلم-(قررتُ)- المنبعث باكتشاف السبيل الأنسب للحياة، وهو الكتابة كفعل منقذ، لأن الكتابة حياة تحتاج إلى قرار جريء وهكذا تبرز الأنثى/ شهرزاد الحكاءة التي تختار السرد طريقا للنجاة والفرار بالذات من اليأس والموت، ومن هنا تضعنا الكاتبة باقتدار في طريق المفتتح في أن تربط بين عنوان المجموعة ومفتتحها (فأخيراً.. تجرأت) يكملها عنوان المفتتح (واستأنفتُ الحياة) ومن هنا سنلج إلى حياة طائر الفينيق المنبعث من جديد في استئنافٍ قوي وجرأة على الحياة، يظهر بداية من خلال تأمل مفردات الحياة من حوله، ابتداءً بالاسم وكأنه انبعاث بدأ بتفقد الذات وتلمسها واكتشافها، فأول ما يتلمس فيها اسمها فنجدها تغنيه كأول سبيل للاكتشاف والزهو، بل العشق (أجمل ما تكون الوردة حينما نراها باسمة/ إذا أراحتنا الدنيا نقول عنها ابتسمت / حينما يلتقط لك أحدهم صورة يطلب منك ابتسامة/ أليس سر الجمال في الكون الابتسام/ لعل هذا سر عشقي لاسمي) (ص 15).

   إذن من هذا المنطلق لا بد من الابتسام لنبدأ الحياة، وها هي الدنيا قد ابتسمت في وجدان هذه الذات حين اكتشفت السبيل إلى الابتسام من خلال الكتابة كفعل موازٍ للحياة ذاتها، واكتشاف محقق للكينونة التي كانت على مشارف الانتحار ربما كأي ضمير أنثوي يغالب صراعا أزليا في مجتمع ذكوري من أجل البقاء، ليس البقاء الفيسيولوجي فهذا أمر سهل ميسور، ولكنه البقاء الأعمق والأطول خلودا وأثراً، ومن هنا انبعثت شهرزاد لتعيد ترتيب ذاتها، وتعيد رسم صورة الواقع من حولها وعلاقتها بالحياة ومحتوياتها الصغيرة والكبيرة.
   تظهر التيمة الأبرز في قصص المجموعة في ثنائية الوفاء والغدر في علاقة المؤنث والمذكر (المرأة/ الرجل)، وهو موضوع مُلحّ- فيما يبدو- في لاوعي القاصة يظهر تجليه في عدد من القصص، ولعلَّ معظمها يأخذ تنويعات هذا المدخل المكثف في لمحات قصصية وخلاصات،  لعلّ أصدق توصيف لها هو تكثيف الحكمة بلغة قصصية، (في الذكرى الأولى للقائنا، أهديته خنجراً كي يقتلني به، أزاحه بتعجّبٍ، ثم اغتالني بامرأة أخرى!!) (ص18).

   لعلّ هذا التكثيف هو بيت القصّ في عدد من القصص، وفي المقابل يكون التركيز على النتيجة، حين تضيع الأنثى التي فقدها الرجل أو بمعنى آخر أضاعها بأنانيته وباغترابه أو بعدم فهمه لها –وهو الغالب-، فحين يبحث عنها يكون الوقتُ قد أزف وتكون الصدمة، إنه قد أضاعها (ليجدها شخصٌ آخر) يظهر ذلك في قصة (لست أنا)، و(انتظار)، و(خيبة)، و(الأم الصغرى)..وغيرها.

   ولكن البحث عنه أي: (الرجل) – أيضا- يظل هاجسا لعدد آخر من القصص كما في قصة (استعادة)، ولعلّها من أكثر القصص تصويراً لهذه الثنائية في صراع البحث ومعاناته حين ينشغل (هو)/ عن (هي) لانشغاله بالعمل فلا تجده، وحين يخسر يحتاج إليها، فتجده شاكيا باحثا عن ملجأ حنون وصدر يواسيه، ومن هنا يتحقق وجودها حين يحتاج إليها، وهذا يمثل انتصاراً آخر تحققه شهرزاد بعد أن روضت شهريار كثيراً بكل حالاته حيث بدت صورته في المجموعة متهماً بالخيانة حينا، وبالأنانية والفردانية حينا آخر كما في قصة (الانشغال)، وكما في القصص القصيرة جدًا جدا في المجموعة: (في الوقت الذي كنتُ أبكي خوفاً من العملية الجراحية التي سأخضع لها في الغد، كان "هو" مشغولاً عن بكائي بتشذيب شاربه الذي ربما لمحته إحدى القادمات لزيارتي) (ص 36).

   التكثيف واضحٌ في القصص ذات العنوان وهو كذلك في تلك القصص المكثفة المحلقة في فضاء المتن القصصي بلا عنوان، ولكـنها في تكثيفها وإيجازها الذي يقول أكثر من حيث المعنى، وتضيق فيه العبارة مفسحة المجال لاتساع الفكرة، لا تبعد عن جو المجموعة المنسوجة بخيط السرد الرفيع الملون بأناقته (كلما رآني يحتضنني، ظننته يحن إليَّ فإذا به يخبئ عينيه كي لا أقبض عليهما متلبستان بباقةٍ من النساء) (ص 59).

 يا لجمال هذا التصوير وتكثيفه المتقن إنه يدور من كلِّ الزوايا حول تكريس فكرة علاقة أزلية تحاول دوماً أن تعالج شهريار وتخرجه من أنانيته وفرديته إلى عالم شهرزاد السحري بما يحتويه من إعادة خلق وترويض على معانٍ جديدة شفافة معقدة في ذات الوقت لكنه ليس فيه سوى شهرزاد واحدة وحيدة، وعليه أن يعلن توبته ويستسلم لإرادتها، ولكي تريه ما ترى ولا ترى له إلا نفسها، فيكون وديعاً هادئا وهانئاً في جنتها الوردية الموعودة.
   المجموعة مبنية بناءً لغويا فنيا جيدا، يقوم على الإزاحة والتكثيف في عدد من قصصها وبخاصة تلك التي لا تتجاوز في بنائها الأسطر عددا، هائمة في فضاء النص بلا عنوان، وكأنها هي العنوان والمحتوى بتمازج فريد، وهي مكثفة تقول كلاما كثيرا وسردا ظليًّا يحكي عوالم سردية مسكوت عنها، في كلمات قليلة نحو: (ضيعها ذات يوم، وفي أثناء رحلة بحثه عنها وجدها شخصٌ آخر) أنظر إلى هذا التكثيف الذي تختصر علينا الزمان والأشخاص والأحداث لقصص كبيرة ترسخت في موروث قراءاتنا، وها هي  ذي تظهر في لمحات تذكيرية لقصص قديمة/جديدة، لكن في زمن لم يعد بأيدينا لكي ننفقه وأعمارنا في قراءة ما نحتاج إلى الخروج بخلاصته، فلمَ لا يقوم السرد الأحدث بدور الحكيم الشعري المكثف؟،  فيقول لنا الخلاصة في أسطر معدودات دون حشو، إنه كما قلتُ في بداية حديثي جيلٌ مختلفٌ يقدم نصاً مختلفا لا يخرج عن عصره وروح يومياته، ولكنه في ذات الوقت يسترجع تاريخ نوعه في صورته الأحدث المطور القلق، وتاريخ قراءاته وموروثه القصصي.

   المجموعة تختتم بـ (المحاكمة)، وهي مما يسمى بقصص الكتابة عن الكتابة، وفي هذه القصة الخاتمة ما يشبه التعريف بقصص المجموعة أو الحديث عنها، وكأنها مقدمة جاءت في نهاية المجموعة بشكل قصصي موضوعها الحديث عن قصص المجموعة، وهي تقنية سردية حداثية لعل القاص والروائي وجدي الأهدل ممن سبق إليها من كتابنا اليمنيين عند حديثه عن (حكاية القصص الأربع اللواتي هربن من درج المؤلف)([2]) مع اختلاف في الأداء والمضمون.

   والقاصة هنا تتحدث عن قصصها بإيجاز شديد، وكأنما تضعها جميعا في عقد سردي يكلل مجموعتها فتتباهى به، وتطوق به باقة المجموعة، فتلمّ ما كان منشوراً أو تطوي ما كان مفرقاً.

   نلاحظ أن القاصة حاولت أن تستخدم أكثر من تقنية سردية في إطار مجموعتها لتظهر تمكنها من أدوات السرد ومحاولتها إظهار تلك القدرات التي كان سيكفيها بعضها، فلجأت إلى استخدام تنويع السرد ابتداءً من حكائيته، مروراً برمزيته، وانتهاء بشعريته، ثم تنويع آليات العرض من حيث التقنيات، وقد وفقت إلى حدٍ كبير.

   يمكن لقارئ المجموعة أن يخرج باستخلاصات محددة، فبالإضافة إلى ما سبق الوقوف عليه فإن المجموعة تتكون من (36) ست وثلاثين قصة معنونة يميل أكثرها إلى الإيجاز والتكثيف الشكلي على مستوى الحدث والشخصيات واللغة، يتخلل تلك القصص (24) أربع وعشرون نصاً غير معنون، ربما يُعدُّ من القصص القصيرة جداً جدا (ق ق ج ج) التي تهتم بالفكرة وتترك خلاصة ذهنية حكيمة تدعو للتأمل، وفيها قدر من الدهشة في التعامل مع اللغة بشعرية كبيرة، وربما تكون استخلاصات سابقة مكثفة تُلَخِّصُ محتوى القصة التي ستأتي بعد هذه السطور الموجزة، وفي الغالب تكون مرتبطة بمحتواها، وفي هذه التقنية استخدام لأسلوب العنونة أو (المانشيت) العريض المتبع في الصحافة كنوع من مزج الفنون وتداخل الأنواع . 

   موضوعات المجموعة تبدو في معظمها الْتقاطات لليومي في حياة المرأة في فضاءات: البيت- الشارع- الجامعة - العمل، وهي كلها ذات بيئة أصيلة تعيشها الكاتبة في واقعها ما عدا قصة (راهبة أم راقصة) التي تبدو من البيئة القرائية الذهنية.   

   لغة الكاتبة سليمة إلى حدٍ كبير، وفيها قدر من العناية والانتقاء الدالان على معرفة تخصصية، - ليس كشأن ما نجد في مجموعات مجايليها، في محاولاتهم الأولى وربما حتى الأخيرة؛ من أخطاء على مستوى الصياغة والبناء والنحو الإملاء- ولعل السبب يعود إلى تخرجها في قسم اللغة العربية، ما عدا موضعين لعلَّ القاصة ستتنبه إليهما، وهما من الأخطاء الشائعة. قولها (لقد أحس بإحراجي من هكذا موقف) (ص 71) والصواب (من موقف كهذا) لأن الأول من لغة بعض الإعلام المتثاقف خطأً، والآخر: قولها)لا يعثر نظرها إليه) (ص 74) والصواب (عثر عليه) وليس إليه.

   والخلاصة والقصد أننا نهنئ المشهد القصصي بميلاد قاصة واعدة متمكنة من عدد من آليات السرد الأحدث، متجددة بروح مختلفة ذات شخصية مميزة منذ البداية، وننتظر جديدها في عزف سيمفونيتها الخاصة في عالمها السردي الشهرزادي بعد نغمة البداية الموفقة والتي استحقت بها عن جدارة ثقة لجنة تحكيم جائزة الشاعر الدكتور عبد العزيز المقالح للعام 2011م في دورتها الأولى، وهي جواز مرور، واعتراف من أهم شخصية أدبية وثقافية رائدة في اليمن على القاصة أن تستثمرها في سفرها الطويل القادم في عالم القصة متلاطم الأمواج يغشاه موج من فوقه موج، لكنه لا يسبح فيه ويبلغ الشاطئ إلا أصحاب الثبات والمواهب العالية الأصيلة، نحسب القاصة منهم ونعول عليها أن تثبت التفوق والحضور المتواصل المستمر فلديها إمكانات التفوق ومؤشرات الحضور المختلف.

الهوامش:

[1] ) ابتسام القاسمي: أخيراً..تجرأت، صنعاء، مركز عبادي، ط1، 2011م، حائزة على جائزة الشاعر الدكتور عبد العزيز المقالح الدورة الأولى للعام 2011م.
[2])  ينظر: وجدي الأهدل: مجموعة:"صورة البطال"، عمان، الأردن، دار أزمنة، ط1، 1998م.



http://ns2.26sept.net/newspaper/2011/september/4493-culture/28260--------r-l.html
 نشرت في صحيفة 26 سبتمبر على الرابط السابق

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماذا تعرف عن الحيمة الخارجية؟!

أعمال ومؤلفات الدكتور إبراهيم أبو طالب ودواوينه الشعرية [مرتبة زمنيا بحسب صدورها ( 1999- 2023م)]

24- الأستاذ الدكتور إبراهيم الصلوي (أستاذ اللغة اليمنية القديمة)