صيف أبها 2014م/ 1435هـ






أبها ... مهرجانُ الغيمِ

****
(أبها)، الجمالُ بحسنها يتباهى
هي آيةٌ سُبْحانَ من سواها



سبحانَ من ملأ القلوب بحبها
وكذا العيونُ يسرُّها رؤياها



هي في المدائن شامةٌ محمودةٌ
خَدُّ الجنوبِ بحسنها قدْ تاها




(أبها عَسِيْرٍ) في شموخِ إبائها
هذي الجبالُ بعزِّها تتماهى



ولها من التاريخِ عُمْقُ جَلاله
قد قالَ فيها حِكْمَةً؛ ورَوَاهَا



اختارَ "ذو القرنين"([1]) فيها قبره
ألقى عصى الترحالِ في يمناها



"إيفا"([2])  لبلقيسَ العظيمةِ شاهدٌ
تَهَبُ الهديةَ للذي ناداها


وتخصُّهُ بعجائب من سَفْحِها
ما كانَ يُدْهِشُ مُلْكَهُ لولاها



وتعيشُ (أبها) للجزيرة دُرَّةً
في حُسْنِها وأصولها وبهاها



هي في عسير فضاءُ حُبٍّ خالدٍ
يمتدُّ في ألقٍ إلى أقصاها



جمعتْ من الريفِ البديعِ نقاءَهُ
ومن المدينةِ حُسنها وبُنَاها



"العَرْعَرُ" المفتونُ يرسلُ خُضْرَةً
و"العَتْمُ"([3]) ينبتُ في السراة شذاها           


وجبالها الخضراءُ طرَّزَهَا النَّدَى
"دَلَغَانُ" و"الفرعاءُ" طِيْبُ نَداها



و"السُّودة" الأنقى يهيمُ بها الهوى
بـ "تهلّلٍ" في صبحها ومساها           



و"الحَبَلَةُ" الممتدُّ فيض ربيعها
و"السَّدُّ"([4])  يرويها بفيضِ رؤاها           



"شهرانُ" واديها العتيق يمدُّها
برجالِ صدْقٍ يملؤون سماها ([5])



أما "النماصُ" فكم بها من عالمٍ
كمْ شاعرٍ، كم مخلصٍ لوفاها!([6])



و"خميسُها" يحمي الحمى بخميسه
يزهو بصحبتها، وصدق ولاها([7])



وتحفُّها كلُّ المناطقِ بالسنا
فتشعُّ فيها روحُها وسناها




(أبها)؛ وإيْهٍ ما أرقَّ نِداءَها
في سمعِ من يهوى جميلُ نِداها           



لا شيءَ أصفى من صفاء عبيرها
لا شيءَ أحلى من نقاءِ هواها  



الغيمُ يرسمُ في سماها مَعْرِضَاً
في مهرجانٍ غيمُها وسماها           



تتناغمُ الألوان في جنباتها
منسابةً في صحوها وصفاها  



كعروسِ حُسْنٍ والسَّحَابَةُ طرْحَةٌ
قدْ أسدلَتْهَا فاستبدَّ حلاها


غطَّتْ مناكبَها السَّحابُ وعمَّها
 شَوْقُ العناقِ فضمَّها وحواها  



فإذا سمعتَ الرعدَ يبسمُ فرحةً
في نشوةٍ؛ فكأنهُ يغشاها!           



فيعمُّ فيها الخِصْبُ كُلَّ ثنيةٍ
ويفوحُ منها الطيبُ في ريَّاها           


أنَّى اتجهتَ تَرَى مَفَاتنَ حسْنِها
كلُّ الجهات دروبُها وخُطاها



كم عاشقٍ قد هامَ فيها عُمْرَهُ
ومضى يرتِّلُ حُبَّها وبهاها           



قد جئتُها من أرضِ سَامٍ رغبةً
لمَّا دعاني حبُّها ودعاها           



وتركتُ صنعاءَ المليحةَ دُرَّتي
وأتيتها مستأنساً بِنداها



ودَّعتُ فيها صبيةً يبكونني
واهَاً عليكم يا صغاري واها



(أبها) الجميلةُ جنَّةٌ في سِحْرِهَا
وقصيدةٌ نَشْوَى يَرِقُّ غِناها



(أبها) قوافلُ من ضَبابٍ سيرُها
مَهْلاً، وليلُ العاشقين حُداها           



أستاذةٌ في الحبِّ تنشرُ روحَهُ
فتعلِّمَ الإنسانَ كيف يراها؟           



أسطورةٌ نقلَ العبيرُ رموزها
للعالمين فأدركوا معناها  



لا عيبَ فيها غير أنَّ نزيلها
إن زارها في العمرِ لا ينساها           



ينسى ديارَ الأهلِ فيها راضيًا
يسلو الأحبةَ عندما يلقاها  



تغنيه عن كلِّ المرابعِ وحدها
وتضمُّهُ بحنانها وعطاها




(أبها) تُحبُّ النَّاسَ تَألفُ قُرْبَهمْ
ما ألطفَ القُربَى، وما أحلاها!           




(أبها) صَفَاءُ مَودةٍ لا تنتهي
معزوفةُ النَّجْوَى لمن ناجاها           



فيها فنونُ الشِّعرِ، فيها سِحْرُهُ
وقفَ الجمالُ لسحرها أوَّاها  



متبتلاً للعاشقينَ نشيده
يَرْوِي شَذَاه أَصِيْلُها وضُحَاها..           



****

أبــها – 19 من محرم 1435هـ،
 22/ 11/ 2013م



******

د. إبراهيم أبو طالب
أستاذ الأدب والنقد الحديث المساعد
بجامعتي صنعاء والملك خالد




هوامش القصيدة:


[1] ) يذكر الهمداني (أبو محمد الحسن بن أحمد) ت 336هـ، في كتابه صفة جزيرة العرب: "أن بها قبر ذي القرنين فيما يقال...".
[2] ) (إيفا)، بالفاء المثلثة، ويقال: (هيفاء)، و يقال (أبقا) كان ذلك اسمها قبل الميلاد بأكثر من ستمائة عام، وكانت إحدى المدن الكبرى في دولة سبأ، كما جاء في كتاب تاريخ المملكة العربية السعودية لسيد محمد إبراهيم، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، 1393هـ - 1973م ص 111.
[3] ) العرعر: شجرٌ دائم الخضرة تكتسي به جبال عسير، وهو مما يستفاد منه كونه خالياً من الشوك. والعتم: شجر الزيتون ينبتُ بالسراة غير أنه لا ثمر له. (انظر كلاماً حولهما في كتاب صفحات من تاريخ عسير للدكتور غيثان علي جريس، جدة، مطابع البلاد، ط1، 1993م، ج1 /38.

[4] ) ما ذكر من الأسماء " دلغان، والفرعاء، والسودة، والحَبَلة، وتَهْلَل، والسَّد، وغيرها الكثير - مما لم يذكر في القصيدة – هي من المتنزهات البديعة في وسط أبها وفي حواشيها بعضها مأهول بالسكان، وبعضها في الطريق، وهي مما تزدحم في الصيف بالسياحة الداخلية والخارجية لطيب جوها وجمال خضرتها فيأتيها الناسُ من كل مكان.
[5] ) شهران قبيلة عربية بدوية من قبائل شبة الجزيرة العربية وتنتسب إلى قبائل خثعم ومن ثم إلى قحطان. لذلك فهي قبيله انمارية كهلانية قحطانية، تستوطن جنوب المملكة العربية السعودية وسروات اليمن والحجاز وينتشرون في قطر والإمارات والكويت وليبيا والعراق واليمن ومصر،  ويسمى المنتسب اليها بـ "الشهراني" والجمع "شهارين"، (كما أوردت ذلك الموسوعة الحرة ويكيبيديا).
[6] ) النماص: محافظة تقع في منطقة عسير على سلسلة جبال السروات, تتميز بالطبيعة وبكثافة الغطاء النباتي, واعتدال المناخ صيفًا، ويسكنها قبائل بنو شهر و بنو عمرو, ومن أعلامها قديما: الشاعر الجاهلي الشنفرى، وأبو الجياش الحجري الأزدي، والطحاوي (أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي) صاحب كتاب العقيدة الطحاوية، ت 321هـ، ومن أعلامها حديثاً: زميلنا الشاعر الدكتور محمد بن علي العمري (أبو الطيب)، وعدد كبير من الأعلام والأكاديميين، والكُتَّاب، والإداريين، ورجال الدولة، وغيرهم، ومن يقرأ كتاب"الجَهْوَة تاريخها وآثارها ونقوشها الإسلامية" للدكتور علي بن محمد العواجي، ط1، 2012م، يجد الحقائق والمعلومات العجيبة.
[7] ) خميسها: المقصود به خميس مشيط، - والخميس من أسماء الجيش- وهي إحدى محافظات عسير التي تتكون من: (خميس مشيط، بيشة، بارق، النماص، محايل عسير، سراة عبيدة، تثليث، تنومة، رجال ألمع، أحد رفيدة، ظهران الجنوب، بلقرن، المجاردة، البرك، طريب)، وعاصمةُ الإقليم أبها، وفيها مكان الإمارة، وقد اتصل الخميس الآن بأبها في العمران، وما ذُكِرَ في القصيدة من أسماء الأماكن والوديان إنما هو على سبيل التمثيل لا الحصر.




 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماذا تعرف عن الحيمة الخارجية؟!

أعمال ومؤلفات الدكتور إبراهيم أبو طالب ودواوينه الشعرية [مرتبة زمنيا بحسب صدورها ( 1999- 2023م)]

24- الأستاذ الدكتور إبراهيم الصلوي (أستاذ اللغة اليمنية القديمة)