8- الدكتور طه أبو زيد -رحمه الله- (تواضع اليمني وموسوعية الأستاذ الأزهري)


من هؤلاء تعلمتُ:
*سيرة ذاتغيرية*
 الحلقة السابعة، مجلة أقلام عربية، العدد (29)، مارس 2019 
=========================

حينَ تجتمعُ في الأستاذِ خصالُ النُّبلِ، وآفاق المعرفة، وجمال المنطق، وموسوعيَّة الفكر لابدَّ أن يكون وراء ذلك كلِّه رحلة علمية مليئة بالطموح والتحصيل، مكتنزة بالأمل، متدفقة بالرجولة المبكرة، والعصاميِّة النابهة لتحقيق الذات والعمل على تنميتها، ووضعها في المكان اللائق بها، في مجتمع القرية التي تنتابها شحّة الموارد، وضعف الإمكانيات، لكنها تمتاز في الوقت ذاته بأنها منجمٌ لتصدير الكوادر، ومخزنٌ لإنتاج المحبة، وهي المنبع الحقيقي للرجولة والتقاليد الراسخة في ذوات أبنائها الذين يحملونَ الكثيرَ من معانى الوفاء، والمنافسة، والحضور، والتميز، والقوَّة.
وحينَ نتحدَّثُ عن هذه المعطيات نريدُ أن نصفَ واحدًا من أبناء القرية، ولد في "قرية (ذي ناصر) في بيت الصَّايدي من ناحية الشِّعِر، لواء إب" تلك المحافظة التي تصدِّر الكفاءات عبر تاريخها، وتتوارث الغربة في أبنائها، وحين ينشؤون في بيئةٍ ترى الترحُّلَ حياةً، والمكوث في القرية ركودًا ومواتًا، ومن هنا سيخرج الطفلُ ذو الاثني عشر ربيعًا لطلب العلم والسَّعي وراء تحصيله، فيغترب مبكّرًا في سنٍ هي الآن لا تجعل من يعيشُ فيها يذهبُ منفردًا إلى مدرسته التي بجوار المنزل، فما بالكَ بمن سيترك أهله وقريته، ويسافر إلى مدينة (ذي جبلة) من محافظة إب ليتلقَّى تعليمَه في علوم الفقه واللغة وحيدًا، ومنها إلى مدينة (تعز) ليستزيد من التعليم النظامي في مدارسها البسيطة حينئذٍ، فيكون أحد الأوائل العشرة المتخرجين من المعاهد العلمية عام 1965م، فيؤهِّله ذلك التفوق لينال منحةً إلى الأزهر الشريف، ويأخذ الثانوية فيها عام 1967م من معهد البعوث الإسلامية بالأزهر، ومنها تبدأ حياة علميَّة جامعيَّة أخرى لا تنتهي إلا بأعلى الدرجات: ليسانس أدب 1972، وماجستير 1983، ودرجة الدكتوراه (العَالِمِيَّة) 1989م في الأدب والنقد، وجميعها في جامعة الأزهر.
ومن تكن العلياءُ همَّةَ نفسِه..فكلُّ الذي يلقاه فيها محبَّبُ.
حديثنا اليوم عن أستاذي القدير الدكتور طه أحمد أبو زيد (1948- 8/ 3/ 2000م). أستاذٌ يمتاز بصفات نبيلة، وخُلُق جمٍّ، وتديُّن حقيقي بفطرة المسلم الصَّادق، وأفق الأزهري العالم المدقِّق، وبموسوعية الجيل المتعدِّد المعرفة والتلقِّي، والقراءة، والعطاء.
الدكتور طه أبو زيد (رحمه الله) كان من الأساتذة الذين دَرَستُ على يديهم في كلية الآداب بجامعة صنعاء، وكان طلابُ كلية التربية حينها –وأنا واحد منهم- يدرسون بعضَ المقررات الأدبية والنَّقدية مع زملائهم من طلاب كلية الآداب في قاعة (الإدريسي) تحديدًا ،كنا نلتقي بأستاذنا الذي يحاضر أكثر من مائتي طالب وطالبة من الكليتين، يحدِّثنا عن الأدب الإسلامي والأموي في الفصل الدراسي الأول من العام الجامعي 90/ 1991م، وكان قد عاد قبلها بعامين فقط حاصلًا على الدكتوراه بامتياز؛ وتوصية بالطباعة من جامعة الأزهر عام 1989م تلك الجامعة العريقة والحريصة على ألَّا تهبَ مثل ذلك التقدير إلا للمتميِّزين من طلابها سواء كانوا مصريين أو كانوا عربًا وافدين. 
كان حين يقفُ محاضرًا تتزاحمُ المعرفةُ والتفاصيلُ في كلماتِه، وتكثرُ الاستطراداتُ والقضايا الأدبية والمعرفية في أسلوب طرحه الذي كان ربما يضيقُ به بعض الزملاء ممن تعوَّدوا على الملزمةِ المحدَّدة، أو الكتاب المقرَّر، ولعلِّي لا أخرج عنهم، وما أنا في تلك المرحلة العمرية والتحصيلية (إلا من غزيَّة إن غَوَت غَويتً...) وكنَّا نلاحقُ ما يقولُ وندوِّنه، ونحاول أن نقيِّد بالقلم تلك الشَّوارد، وما نستطيع جمع شتاته في المحاضرة لمذاكرته مستقبلًا. لا شكَّ أن قضايا الأدب في العصرين الإسلامي والأموي كثيرة ونتاجهما غزير، وأدباؤهما كُثر، وما كان كتاب الدكتور شوقي ضيف الذي أحالنا إليه أستاذنا بعد عددٍ من المحاضرات -وبإلحاح منَّا في تحديد مرجع- إلا واحدًا من المراجع التي سنعتمدُ عليها في هذا المقرَّر، ولكن الأستاذ حين كان يحاضرنا ينطلق في آفاق الأدب، وكأنَّه يحدِّثُ علماءَ مثله تعلَّموا وقرؤوا أضعاف أعمارهم.
ولكنَّا حين رأيناه مُحلِّقًا لم نطلبْ منه التراجعَ أو التحليق بارتفاع قريبٍ منَّا، بل حاولنا اللحاق به في آفاقه، وذلك شأن الأستاذ الذي قد يُتعبُ الطالبَ ليعلِّمه، أو قد يستثيره ويتحدَّاه ليظل في ذاكرته، ويحمدُ له صنيعَهُ المعرفيِّ غداةَ يَحمدُ القَومُ السُّرى.
وبالفعل كان أسلوبُه الواسعُ وإنشائيته الخطابية في محاضراته مختلفًا عن البقية وذا نسيجٍ خاصٍّ يجمع بين أسلوب العلماء الموسوعيين، وبين المتخصصين العارفين، ولهذا حتَّى أنَّ أسئلة الاختبار والتقويم اختلفت كثيرًا عن المباشرة، وطلبتْ في صياغتها الكثير من الإجابة في وقت الاختبار المحدود، وكتبنا في ثلاث ساعات ما يحتاج إلى الإجابة في أكثر، وكان تقدير (جيد جدًا) من نصيب بعضنا ومنهم محدِّثكم وعدد من زملائه، وكان بالإمكان الحصول على أكثر من ذلك لو كان في الوقت مُتَّسَع.
ثم تمرُّ الأيامُ وألتقي بأستاذي من جديد في العام الدراسي الجامعي 94/ 1995م في مقررات (المقاصَّة) في الآداب، وفي هذا العام يُعِدُّ الأستاذُ بحثًا متميزًا هو حصيلة جهد، وقراءة، ومتابعة عن (الأدب الجاهلي في اليمن، الموضوعات والسِّمات الفنية) وهو مشروع ضمن أبحاثه، وقد عرضه على طلابه مصوَّرًا في مسودَّة أوَّليَّة، وقرأناه مخطوطًا قبل أن ينشره في مجلة الثوابت المحكَّمة في عدديها العاشر والحادي عشر (يوليو سبتمبر 1997م)، ثم في كتاب موسَّع ومنقَّح صادر عن دار النشر للجامعات بصنعاء عام 2000م.
وما يميز هذا (البحث/الكتاب) أنه اجتهاد مختلف يترصَّد الخصوصية في الموضوع، والفنيات في التشكيل والبناء للأدب الجاهلي في اليمن، وليس مما هو في كتب الأدب العربي عن الأدب الجاهلي بشكل عام، وقد بذل فيه الأستاذُ جهدًا كبيرًا في تتبُّع المصادر والمراجع التي ترصد الأدب الجاهلي في اليمن على وجه التحديد؛ حيث ينطلق الكتاب من فكرة "أن الأدب العربي في اليمن ظلَّ مجهولًا عند الباحثين العرب كما ظلَّ مجهولًا عند اليمنيين أنفسهم... نظرًا للإهمال الذي مُني به الأدب العربي في اليمن بينما اهتمَّ أدباء كل قطرٍ عربي وكتَّابه بإبراز تراثهم فأولوه اهتمامًا بالغًا في مصر، والشام، والحجاز، والمغرب العربي..."
وكان يناقشنا في محتواه ونحن طلاب علمٍ، فلا يضنُّ علينا بعلمِه، ولا يظنُّ فينا إلا خيرًا لعلَّنا –ببساطة معرفتنا- نوحي له بفكرة أو نناقشَه في أمرٍ ليس عجزًا منه –وحاشاه- ولكن ليبثَّ فينا الاعتزاز بتراثنا الأدبي، وبكنوز اليمنِ الدَّفينة عبر تاريخها التي لم تتحْ لها الفرصة ولا لأبنائها في الاستقرار لدراسة تلك الكنوز والاهتمام بالبحث الجادِّ والقراءات الواعية، وهو بذلك يضعُ فينا بذورَ السؤال، وقلقَ التأمُّل لتغدو قراءاتنا مستمرة في هذا المجال، وهو يدرك أهمية أن يناقش الأستاذُ طلابَه، ويستعمل معهم العصف الذهني والفكري المنتج، ليكونوا استمرارًا حقيقيًّا لمشروعه.
تعلَّمتُ من أستاذي الدكتور "طه أبو زيد" رحمه الله التواضع في رفعة، وحسن الحديث في لباقة ولياقة، والقرب من طلابه، والحوار مع المتميزين منهم في أدبٍ جمٍّ، وسمتٍ وقور.
زرناه في منزله ذات رمضان من العام 1997م، وكان حينها قد عاد من رحلةِ علاجٍ في أمريكا، وكنَّا عددًا من الزملاء –الذين أصبحوا جميعًا أساتذة جامعات الآن- ومنهم: د. عبد الرحمن الصعفاني، د. فاضل القعود، د. أحمد المنصوري، د. رصين الرصين، د. محمد جميح، د.حيدر غيلان... وليعذرني من ربما نسيت حضورَه أو أقحمته في ذلك اللقاء من الزملاء، كانت الزيارة للسُّؤال عن صحتهِ، والجلوس إليه في منزله الكائن في شارع الستين، وهو من منازل الأوقاف التي كانت تستأجرها جامعة صنعاء ليسكن فيها أعضاء هيئة التدريس، وكانت ليلة من ليالي المعرفة والودِّ والوفاء، حدَّثَنا فيها عن مرضه وعن رحلته، ومدى اتصاله بأمريكا وعوالم الحياة المادية فيها، لكنَّ تركيزه كانَ على وصف الحالة العلاجية، وكيف كان للقرآن الكريم معه أبلغ الأثر في العلاج الذي حيَّر بنتائجه الأطباء، وكيف كان علاجُهُ الروحي أكثرَ أهمية وأسرع أثرًا في نتائجه من علاجه بالعقاقير، شرح لنا الكثير من تلك الآفاق بروح مؤمنة، وبعبارة مشرقة دلَّت على مقدار الأمل في نفسه، فبعثت في وجداننا بكلماته إشعاعات وجدانه ودخائل روحه المؤمنة بقضاء الله وقدره دون تذمُّرٍ أو شكوى، فأدركنا أننا أمام عارف متبصِّر، وإنسان تجاوز ماديَّة الحياة إلى روحانيات الأفق الأسنى، خرجنا من لديه، وذلك إحساسي على الأقل- بأني كنت في حضرة علم من أعلام النَّقاء والزهد والإيمان. وعلى الرغم من حضور المتنبي وسيفياته في تلك الليلة وما يحفظ من شعره، وحضور أبي تمام، والبحتري، والفرزدق، وجرير، وغيرهم إلا أنني كنت أتلمَّسُ في حديثه عوالم العبارة المشرقة، والأفق الروحاني الصَّادق، ربما كان ذلك لاتصاله بروح جدِّه الأعلى "أبو زيد محمد بن عبد الرحيم"–كما يقول عنه أستاذنا وهو يعرِّف بنفسه في واحد من كُتُبه-: حين يسلسل نسبه إلى الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب "بأن جدَّه –هذا- انتقل من مدينة الأشراف (الرزيقات) في صعيد مصر مهاجرًا إلى مكة والمدينة سنة 1260هـ، ومنها إلى اليمن سنة 1280ه، وقد توفي في مدينة إب سنة (1337ه) وكان عالمًا متصوِّفًا بطريقة مبنيَّة على الأسس العلمية للصوفية الشرعية، وله معرفة بعلم الكيمياء، وبهذا فقد جمع بين العلم والزهد" ومن هنا فقد نشأ اهتمام الدكتور طه بدراسة شعر التَّصوف، وظهرت بعض دراساته وكتاباته في هذا المجال نقدًا وتحليلًا، كما ظهر اهتمامُه بالشِّعر اليمني بشكل عام في عصوره المختلفة.
تقول ابنته الدكتورة "أمة الكريم طه أبو زيد" الأستاذ في قسم المناهج وطرائق تدريس العلوم بكلية التربية جامعة صنعاء واصفةً حالته الإيمانية: "كان إيمان الوالد بالله عزَّ وجلَّ عميقًا صادقًا مخلصًا لله في كلِّ أقواله وأفعاله، كان لا يترك قراءة القرآن الكريم يومًا واحدًا، وكان إذا تعرَّض لمحنةٍ أو وعكةٍ صحيَّةٍ فإنَّه يلجأ إلى الله سرًّا وجهرًا، ويتداوى بالقرآن، ويتدبَّر معانيه فيشعر بعدها براحة تامَّة مهما بلغ مرضه..رحمة الله تغشاه!".
وحين اقتربَ موعد الانصراف في تلك الليلة ودَّعته -وكان آخر لقاء لي به- وقد شدَّ على يديَّ، وهو يشجعني بقوله: "أَستمعُ إلى ما تكتبه وتقدِّمه للأطفال من مسابقات ثقافية من خلال إذاعة صنعاء، وهذا ميدانٌ مُهمٌّ، وحقل نفتقر إليه كثيرًا في إعلامنا، وأنتَ تسدُّ ثغرةً واضحةً، فاستمر في كتابتك وعطائك للطفولة". كانت كلماتُه دافعًا ومشجِّعًا لي، وبخاصِّة أن تلك السنة كان فيها أول اتصال لي بإذاعة صنعاء والكتابة لجمهورها الكبير، وللطفولة، وأعقبتها كتابات أخرى مسرحية، وطلابيَّة، منها المسابقة الثقافية للأطفال التي كانت بعنوان (عالم المعرفة) وهي قصص ممثلة بأداء نجوم التمثيل والمسرح الوطني، وتتبعها أناشيد مغناة من ألحان الموسيقار فؤاد الشرجبي، وإخراج الأستاذ طاهر الحرازي.
 وفي العام الذي يليه 1998م قدمتُ للإذاعة (حكايات) في ثلاثين حلقة إذاعية ممثَّلةً ومسلسلةً، من إخراج سمير المذحجي.
أدركتُ ارتباط أستاذي بالعملِ الإعلامي، وهو حين يشجعني ويشدُّ على يديَّ المرتعشتين بخبرتهما البسيطة إنما يبثُّ فيهما روحَ الثبات، والأمل بالتوسُّع والاستمرار؛ لأنَّه كان مرتبطًا أشد الارتباط بالعمل الإذاعي منذ أن تمَّ تعيينه مشرفًا على برامج إذاعة صنعاء عام 1972م، وبعدها على إذاعة (تعز) إضافة إلى عضويته لهيئة تحرير صحيفة الجمهورية، وتأسيسه لصحيفة (الأمل) ورئاسة تحريرها عام 1976م، وقد ظلَّ مرتبطًا بالعمل الإعلامي والصحفي حتى بعد قيام الوحدة اليمنية المباركة في العام 1990م حيث انتُخِبَ عضوًا في نقابة هيئة التدريس بجامعتي صنعاء وعدن ومنها -وبحكم خبرته الطويلة في العمل الصُّحفي- عُيِّن مديرًا لتحرير صحيفة (الجامعة) الصَّادرة عن النقابة.
وقد شغل عددًا من المناصب الإدارية الأكاديمية حيثُ انتُخبَ رئيسًا لقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة صنعاء في العام 1996/ 1997م، ولم تطل فترتُه لانشغاله بعمادة كلية الآداب والتربية بجامعة العلوم والتكنولوجيا في الفترة نفسها.
صدرَ لأستاذنا أكثر من كتابٍ علمي وتعليميّ، منها: كتاب إسماعيل المقري حياته وشعره (رسالة الماجستير)، صدر عن مركز الدراسات والبحوث اليمني صنعاء، ودار الآداب بيروت، وكتاب الثقافة والأدب العربي خلال عصور متتابعة ونصيب اليمن منه، دار الجامعات اليمنية 1420- 2000م. وكتابان آخران عن نفس الدار هما: الموسيقا وموسيقا الشعر، والأدب الجاهلي في اليمن؛ الموضوعات والسمات الفنية.
وله من الأبحاث العلمية الكثير نذكر منها:
- الشعر في اليمن من 1045- 1289هـ ،الموضوعات والخصائص الفنية، (رسالة الدكتوراه)، مخطوط.
- دور اليمن في التكوين الثقافي لعصر النهضة العربية الحديثة، بحثٌ محكمٌ ومنشورٌ في كتاب المؤتمر العلمي الأول لنقابة هيئة التدريس لجامعتي صنعاء وعدن المنعقد في الفترة من 15- 18 نوفمبر 1993م.
-الصَّحافة الأدبية في اليمن "نشأتها، وتطورها، وأجناسها الأدبية، وخصائصها الفنية" (نُشر ضمن الكتاب السابق).
- دور الصحافة الأدبية في الحياة اليمنية، مجلة دراسات يمنية.
-شعر التصوُّف في اليمن من القرن التاسع إلى القرن الثالث عشر الهجري، الموضوعات والخصائص، نُشر في مجلة كلية الآداب جامعة صنعاء في العددين (20 -21) العام 1997م.
- الصور الفنية في المديح النبوي لدى شعراء اليمن خلال العصر الإسلامي الوسيط. وغيرها من الأبحاث والدراسات.
والمتأمل في ذلك الجهد، وفي هذه الكتب والأبحاث يقرأ فيها سيميائية اهتمام أستاذنا الدكتور طه باليمن الذي لم يغادرْ وجدانَهُ يومًا، بل زاده البعدُ عنه والاغتراب للدراسة قربًا من نفسه، وحضورًا في قراءاته واهتماماته، فاليمن من الجاهلية إلى العصور الوسطى حتى العصر الحديث حاضر بقوَّة في كتاباته، وأبحاثه، وقراءاته.
 واليمنُ بروحه التاريخي والديني وأفقه المعرفي والصُّوفي والإعلامي موجود في تلك الأبحاث، بل في ثنايا كلِّ كلمة، وجملة، وعبارة تنبضُ بروح اليمن، وبأفق إنسانها، وبتطلعات حاضرها، واستشراف مستقبلها من خلال فهم الماضي واتخاذه فنارًا للإبحار، ومنارًا للمسعى، وبوصلةً للعبور إلى أفق أجمل ومستقبل أكثر إشراقًا، عاش هذا الأستاذُ الحالمُ المحبُّ عَقدًا من حياة الوحدة اليمنية الفتيّة، وظلَّ مؤمنًا باليمن الكبير حتى آخر نبضة من قلبه، ومعلِّقًا الأملَ في إنسانه النَّقي الواحد الموحد بأفكاره، وبدينه، وبتراب وطنه، وباهتمامه بالعلم والمعرفة، وبعصاميته التي لا تقبلُ الخَوَر، ولا تعترف بالنكوص، بل حتى إنها لا تستسلم للمرض، ولا ترضخ له طرفةَ عين، إنها نفسه اليمنية الأبيَّة التي منبعُها الإيمان الفطري المعتدل، وسلوكها الإخلاص والبساطة، وغايتها البناء وحبّ الحياة، ولهذا فإنَّه في مسعاه العلمي والمعرفي والإنساني ظلَّ ذلك الأصيل بروحه وبكلمته الشاعرة والعالِمَة والمعلِّمة معًا، متخذًا من الشِّعر الذي كان ينظمُهُ في أوقات متباعدة، ولأغراض مختلفة طريقًا للتعبير عن موقفٍ ما، ومنها: (قصيدة ثورة الشَّعب، وحبيبتي صنعاء اليمن، وفخر، واللغة العربية، ورسالة إلى حماة الشَّرع)، وهذه الأخيرة بحسب وصفه لها "تحكي الواقع المأسوي للقضاةِ في بلادنا" وربما كانت هذه القصيدة سببًا في سجنه لقوله الحقَّ فيها دون تورية أو استعارة.
 ذلك شأن الكلمة (الشاعرة)، وأما الكلمة (العالِمَة) التي سيحوِّلها إلى بحثٍ جادٍّ أو كتابٍ نافعٍ، فإنها ظاهرة في ما أبقاه من نتاج علمي وبحثي، وأما الكلمة (المعلِّمة) فقد تجسَّدت فيما تركَهُ في طلابِهِ من الطُّموح النبيل، والخُلُق العالي، والسلوك السويِّ، وهو بهذه الكلمات الثلاث: (الشَّاعرة- والعالِمَة- والمعلِّمة) قد اختطَّ مسيرته في الحياة، وعرفَ منذُ البداية -حين كانَ في القريةِ البسيطة- أنَّه خُلِق لهذا، وأنه مُيسَّرٌ لطريق العلم، وستكون الغربة دافعَهُ للوطن، والهجرة والمعاناة في سبيل العلم والتحصيل سبيله إلى معرفة اليمن والقرب منه، فكان ذلك حصيلة ما جمعَ، وأجمل ما اقتنى.
رحمَ اللهُ أستاذَنا الدكتور العالم الزَّاهد أبا محمَّد "طه أبو زيد" فقد علَّمَنا معنى التواضع في رفعة، والطموح في شَمم، والعصاميّة في شموخ، والهمة في حسن عَمل، والأستاذية في عطاء موزَّع بين طلابهِ مَعرفةً، وآثارًا، وذكرَى لا يطويها الزمان، ولا تموتُ بالتَّقَادم. فلهُ من اللهِ الجزاءِ، ومن طلابهِ حسنُ الثناء، ووافرُ الدعاء. 
تحية:
لِطهَ احتِرامٌ، وأزكَى سَلَام.. سَمِيٌّ لِطَهَ عَليهِ السَّلام
وفيه مِن اليمنيِّ النَّدَى.. ومِن طِينةِ الأرضِ مَعنى الكَلام:
(يُناضلُ حتَّى تَمَلَّ الخُبُوتْ.. يحدِّثُ حتَّى يَضِجَّ السُّكوتْ
يُقَاتلُ حتِّى يَمُوتَ الرَّدَى.. ويَشبَع مَوتًا بِكُلِّ البُيوتْ
وَيَبكِي البُكاءُ لأوجَاعِهِ.. ويَضرَعُ في جَانِبَيهِ القُنُوتْ
وَيُظلَمُ مِن كُلِّ بَاغٍ زَنِيمٍ.. تَجبَّرَ...لكنَّهُ لن يَفُوتْ
يُقاوِمُ لا يَرتَضِي بالهَوانِ.. وإشعاعُهُ ليسَ يَرضَى الخُفُوتْ
هُوَ اليَمنُ المُبْتَلَى بِالحياةِ.. يَغِيبُ.. ولكنَّه لا يَمُوتْ...)
فصلُ الخطابِ:
"ثورةُ الشَّعبِ انتصارٌ وأَمَلْ..سَوفَ أَحْمِيها بِجدِّي والعمَلْ
ثورةُ الشَّعب وَهَبنَاهَا دَمًا..كَم شَهيدٍ قَد سَمَا فوقَ زُحَلْ؟
وأَطلَّ المجدُ يَرنُو بَاسِمًا..لِيَرى اليومَ الذي فيه استقلّْ
يمنيٌّ أنتَ، فافخَرْ دائمًا..عشْ سَعِيدًا خالدًا فوقَ الدُّوَلْ..."
@ شعر: طه أحمد أبو زيد

* نُشر المقال في العدد -29 من مجلة أقلام عربية، مارس 2019م.
على الرابط الآتي:

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماذا تعرف عن الحيمة الخارجية؟!

أعمال ومؤلفات الدكتور إبراهيم أبو طالب ودواوينه الشعرية [مرتبة زمنيا بحسب صدورها ( 1999- 2023م)]

24- الأستاذ الدكتور إبراهيم الصلوي (أستاذ اللغة اليمنية القديمة)