12- الأستاذ الدكتور/ السيد إبراهيم محمد (مسافرٌ زَادُهُ الخيالُ والحُلُم .. وناقدٌ عِدَّته المنهجُ والحِلْم)

************
- من هؤلاء تعلمت-
*سيرة ذاتغيرية* 
(الحلقة الثانية عشرة، مجلة أقلام عربية، العدد (34)، أغسطس 2019م، ذو الحجة 1440هـ.).
الأستاذ الدكتور/ السيد إبراهيم محمد
 (مسافرٌ زَادُهُ الخيالُ والحُلُم .. وناقدٌ عِدَّته المنهجُ والحِلْم)
 

أَستمعُ إليه يقرأُ من مخطوطِ ديوانٍ جديدٍ له، موضوعه عن الغُراب، وهو موضوع طريف فيه لغة شعرية محلِّقة، ومعنى مختلف يقود إلى التأمل أكثر من العاطفة، وإلى استثارة العقل ومناوشته أكثر من مداعبة الوجدان ودغدغته، ويمضي أثناء القراءة في التعليق والشرح والتوضيح حينًا، وفي القراءة الشعرية حينًا آخر، ومن ضمن أسئلته وملاحظاته سؤالٌ مفادُه: لماذا يكون الظلم لهذا الطائر الذي لا ذنب له سوى سواده؟ ولماذا خَلَع عليه الإنسان عبر تاريخه كل هذه الأساطير والدلالات من التشاؤم والتراث الممتد في الأمثال والشعر والنثر؟!






كان ضيفنا وضيف صالون "تلِّيمة الأسبوعي" يقرأ شعرًا جديدًا ذا نغمةٍ خاصَّةٍ وفلسفةٍ عميقةٍ، ثم يناقشه فيه كوكبةٌ من الأساتذة الأكاديميين والأدباء والصحفيين في مجلس أستاذنا الدكتور عبد المنعم تليمة، إنه ذاتُه أستاذي الدكتور السيد إبراهيم محمد سيد أحمد رجلٌ ستينيٌّ متوسط الطول أنيق المظهر بنظارته ذات العدسات البنيَّة الغامقة التي لا تكاد تحدِّد لون عينيه من خلفِها، وشاربه الكثيف الذي كان بنيَّ اللون فصار البياض يشوبُه ويغلب عليه، لكنَّ حيويته ورصانته التي عرفتُها عنه قبل أكثر من عقدين من الزمن ما تزال واضحةً حاضرةً.
 
انتهت الأمسيةُ وتقدَّمتُ إليه معرِّفًا بنفسي "دكتور السيد ..كيف حالك؟ أنا أحد طلابك في جامعة صنعاء في العام 1990م، وما زلتُ أتذَّكر محاضراتك عن الرمز في الأدب الجاهلي، وحديثك عن الحمار الوحشي ودلالاته المهمّة في الشعر الجاهلي، وكذلك محاضراتك عن قصيدة "بانت سعاد" وشروحها الكثيرة والمتعددة، فهل تتذكر تلك الفترة، وتلك الجامعة؟" وأردفتُ مداعبًا: ولاشكَّ أنك لا تتذكرني!.
فما كان منه إلا أن وقفَ مرحِّبًا مسلِّمًا فرحًا هاشًّا باشًّا بذكرى أعادته إلى اليمن وإلى مرحلة عمرية جميلة وحقبة عزيزة عليه، وبدأ يحدِّث أستاذنا تليمة، ومن بقي من الحاضرين عن اليمن، وعن جامعة صنعاء، وعن ذكرياته فيها، وعن طلابها المجتهدين، وعن فرحته بأن يجدَ اليوم واحدًا منهم في مصر الكنانة وهو فوق ذلك يستعدُّ لمناقشة رسالة الدكتوراه فكانت ليلة ليلاء فيها من الحديث شجون ومن الذكريات شؤون.
وستلعب الأقدار دورًا عجيبًا، حيثُ سيكون أستاذي الدكتور السيد إبراهيم محمد –حفظه الله وأطال في عمره- أحد المناقشين الأربعة لرسالتي للدكتوراه بعد ذلك بأشهر.
 وسيشير إلى ذلك بكل اعتزاز في أثناء المناقشة، مؤكِّدًا على سروره البالغ بهذا الباحث وجدِّية الباحث اليمني عمومًا وطموحه ومثابرته، ومؤكدًا على أجمل ذكرياته التي لم تستمر كثيرًا في صنعاء مع رغبته في ذلك، حيث عمل لمدة عامين جامعيين فقط بين عامي 1989- 1991م، ولكنَّه انتقل للتدريس في جامعة أخرى، وكان نقاشه لرسالتي مفيدًا جدًّا بكل علميَّة وحصافة ومنهجية عُرفت عنه، وعن تاريخيه الطويل أستاذًا للنقد الأدبي الحديث وعميدًا لكلية الآداب (بني سويف) جامعة القاهرة.

ولأستاذنا سيرةٌ ذاتيةٌ عامرة نذكر منها هنا مجرد إشارات تعريفية سريعة: فهو من مواليد 20 أبريل 1951م، طنطا، محافظة الغربية. متزوج وله ولد وبنت، التحق بكلية الآداب جامعة عين شمس، ونال درجة الليسانس في قسم اللغة العربية بها عام 1972م، بتقدير عام جيد جدًا، وكان أول الدفعة، ودرجة الماجستير بتقدير ممتاز، وذلك في موضوع: "الضرورة الشعرية: دراسة أسلوبية مع تحقيق لكتاب ضرائر الشعر لابن عصفور الإشبيلي عام 1976".

 ثم حصل على درجة الدكتوراه من جامعة الإسكندرية عام 1984م، بمرتبة الشرف الأولى، وكان موضوعها: "قصيدة بانت سعاد لكعب بن زهير وأثرها في التراث العربي". 

وقد عمل في عدة جامعات مصرية وعربية، منها: جامعة عين شمس حيثُ كان فيها معيدًا ثم مدرسًا مساعدًا من عام 1973-1981، وعمل في جامعة حلوان مدرسا مساعدًا ومدرسًا وأستاذًا مساعدًا من 1981-1992م، ثم أستاذًا مساعدًا وأستاذًا بكلية الآداب جامعة القاهرة، فرع بني سويف من 1992 إلى2004م، وفي جامعة بني سويف حتى الآن. كما شغل منصب رئيس قسم اللغة العربية بها 2002-2003 وعمل وكيلًا لشئون الدراسات العليا 2003-2006، ووكيلًا لشئون التعليم والطلاب 2006 إلى 2008، ثم عميدًا للكلية حتى 2011م. كما عمل بالتدريس بجامعة صنعاء 1989-1991، وأستاذًا للأدب العربي والنقد بكلية الآداب جامعة الملك سعود بالرياض 1996- 2002م.
 
وحين تعود بنا الذاكرة إلى محاضرات أستاذنا الدكتور السيد إبراهيم محمد تلك المحاضرات التي حَفرت فينا بدايات التحليل والفهم والاستنباط للشعر الجاهلي، وأسست المفاهيم العلمية لطبيعة دراسة الشعر العربي القديم والاهتمام به وفق مناهج حديثة، فإنني أتذكر حديثه الشائق المختلف عن قصَّة الحمار الوحشي في الشِّعر الجاهلي، وهي قصة كما يقول عنها: "مثيرة حافلة بالرؤى والأفكار. والشُّعراء على كثرة ما يكرِّرون من عناصرها يقول كل شاعر منهم شيئًا لم يقله غيره. ظاهر الأمر أنها قضية الحمار الكائن الذي وقعتْ عليه أعينُ الجاهليين واتجهت إليه أبصارُهم، وحقيقة المسألة أن هذا الكائن الذي اتسعت قصته في الشعر القديم اتسع لقدرٍ من الرؤى والفلسفات وأعمال الفن على قدر الشعراء الذين تناولوه، بل ربما على قدر القصائد التي ذُكر فيها.

قصةُ الحمار الوحشي باعتبارها واقعًا مُشاهدًا يمكن استخلاصها من خلال الشعر الذي كُتِبَ عنه، وهو كثير فهو معروف باتخاذ الزوجات. ذكرَ له الأخطلُ في شعره عشرَ ضرائر "لا يرى العيش غيرها". وذكر له غيره ثماني وأربعًا ودون ذلك أو أكثر، غير أنه معروفٌ بالغيرة الشديدة على إناثه: يطرد عنها أولادها، ويتعارك من أجلها مع الحُمُر الأخرى عراكًا عنيفًا. ولذلك كثيرًا ما يطالعنا في الشعر مسحَّجًا مكدَّمًا من آثار المعارك التي يخوضها.
وأهم فصل في قصة الحمار وروده الماءَ: تستحثه الإناث أن يذهب بهن إلى المناهل، ولكن خوفه وحذره وتوجسه يجعله ينتظر، ويصدهنَّ عن ذلك حتى يشتدَّ بهن الظمأ، ويدبِّر الأمرَ في عقله: هل يَردُ أم ينتظر؟. وتعرف الأُتُن أنه أجمع رأيه على الورود، وذلك لا يكون إلا ليلًا، فتظل أبصارها إلى الشمس ارتقابًا لمغيبها. ثم يحدوها إلى الماء ملازمًا لأدبارها ومحاميًا على عوراتها، لكنَّها لا تبادر إليه قبله، إذ لا بدَّ أن يختبره أولًا ليتبيَّن خلوه من المتربصين. وهذا من حكمته وحرصه. ثم هي لا تكاد تلقي بأيديها إلى الماء وتنهل منه حتى يسرع بها. وكثيرًا ما يصادف على الماء صائدًا يكمنُ له في قترته: وقد يفلح الصائد فيصيب بسهامه إحداها. وربما يعود بالخيبة والفشل والندامة بعد أن يكون قد تربَّص لها أيامًا. ويفر الحمار بإناثه مستخرجًا غاية ما عنده في الجري طلبًا للنجاة، ومن ورائه يرتفع الغبار. ويرتفع صياحه بعد حين ابتهاجًا بالحياة وسرورًا بالسلامة".
هذه باختصار قصة الحمار الوحشي ورمزيته ودلالاته كما تطالعنا في الأشعار القديمة ولكن الشعراء لا يسوقونها على هذا النحو، بل يأخذ كلُّ شاعر منها ما يتَّصل بعمله في القصيدة، ويهمل سائرها. فمنهم من يجعله في جماعة من الأُتن ومنهم من لا يجعل معه غير أتان واحدة.. ومنهم من يُعنى بتقرير غيرته على إناثه وأنه ينفي عنها جحاشها أو يطرد الحمير التي تدنو منها. ولكن منهم من لا يشغله ذلك، أي لا يكون شيء منه موضوعًا لمقاصده وأغراضه...ثم إذا رأينا شيئًا تكرَّر في أشعارهم كوقوف الحمار فوق الجبال مثلًا، وهذا من الأحوال المشاهدة له، فمنهم من يجعله في ذلك ملكًا متوجًا، ومنهم من يجعله سليبًا ابتزت ثيابه أو يجعله كالربيئة الذي يربأ للجيش وهكذا.
 ولحضوره في الشعر دائما مناسبة تستدعي وجوده في القصيدة، قد تغمض وقد تستخفي وربما استعصت على الفهم أحيانًا. ولكن المعالجات المستمرة للشعر وقراءاته قد تثمر عن انجلاء القصيدة عن عالمها. ولكن هذه المناسبة ليست من نوع الاستطراد. فالحمار رمزٌ متغيّرٌ، وقصَّته تتجسَّد فيها فلسفة متكاملة تظهر في مقدمة القصيدة وسائر أجزائها، على نحو ما ترمز الأعمال الفنية للأفكار والرؤى والفلسفات.
هكذا كان يبصِّرنا أستاذنا الدكتور السيد إبراهيم محمد في محاضراته، ويفتح لنا آفاق الفهم للشعر ورموزه وسيميائياته ونحن في مرحلة التعطُّش للطلب والإقبال عليه، وكان حين يشرح يتجلَّى بصوته المجلجل في القاعة التي تتَّسع لرؤاه وأبحاثه وأفكاره في طلابٍ ينهلون منه مناهل شتَّى، وإن لم تضق بأعدادنا الكثيرة في كلية التربية والآداب.


ثم تمضي بنا المحاضرات في تطوراتها وموضوعاتها المفيدة في الشعر القديم حتى نقف على قصيدة "بانت سعاد" لكعب بن زهير، فنحفظها بإرشاد منه، ونقرؤها قراءة نقدية متعددة الدلالات والمناهج، ويقف بنا على كثير من معانيها شأنه في ذلك شأن أبحاثه وكتبه وطريقته في الشرح، فبعد أن يأتي بالنص يفسِّر مفرداته، ثم معانيه المترابطة بالمعنى المركزيّ للنص، ثم يفتح لنا آفاقًا من المعلومات والمراجع عن شروح هذه القصيدة، فإذا بها تحتوى على الكثير من الشروح والعديد من التناول في تاريخ الأدب العربي، منها ما هو لغوي، ومنها ما هو صوفي، ومنها ما هو دلالي وغيرها حتَّى ندرك معانيها ومكانتها في التراث العربي. وبعد حين اطلعتُ على كتابٍ كاملٍ له عنها، هي رسالته للدكتوراه.
 
هكذا يتضح مشروع أستاذنا الدكتور السيد إبراهيم الذي ينطلق من التراث العربي، ويتخذ من نصوصه ميداناً لأبحاثه الجادة والجديدة، فنجده يدرسها ويعالجها بأحدث المناهج، حيث يتحدّث مثلًا في أحد كتبه عن "الرمز والفن" وفيه حديث عن البحث عن "الحقيقة ومسئولية الراعي دراسة في قصيدة زهير بن أبي سلمى" التي منها قوله:
فليس بغافلٍ عنها مضيعٍ ... رعيَّته إذا غَفَلَ الرعاءُ
ومثلها دراسة بعنوان "القدر المكتوب وانكشاف المصائر: المداخل الأسلوبية لفهم قصيدة الراعي النميري" التي مطلعها:
يا أهلُ ما بالُ هذا الليل في صَفَرِ  ...  يزدادُ طولًا وما يزدادُ من قِصَرِ
في إثرِ من قُطِّعتْ مني قرينته  ...  يوم الحدالى بأسبابٍ من القَدَرِ
وغيرها من القصائد والنصوص ذات الثراء المعرفي والدلالات المكتنزة التي مضى أستاذنا في مشروعه يناقشها ويناوشها بأحدث المناهج وبأسلوب الباحث الرصين الذي يختار زواياه المتفرِّدة في البحث.

 وله في النظرية الأدبية الحديثة أكثر من جهد وأكثر من كتاب منها كتابه "آفاق النظرية الأدبية الحديثة" الذي يحتوي على فصول عدة، وموضوعات مختلفة تتعالق بالنظرية الأدبية في عمومها منها: قضايا النقد الأدبي المعاصر في كتابات عبدالله الغذامي، استراتيجيات ومفاهيم من البنيوية، معالم أساسية من باختين، من النصِّ إلى الخطاب، وقفة مع التاريخانية الجديدة، مدرستان مختلفتان في نظرية القراءة، أفق التوقع: قراءة الأدب في ضوء مفهوم الأفق، اتجاهات غير تقليدية من قراءة القدماء للنصوص، ما بعد الحداثة، أدب ما بعد الكولنيالية، مفهوم ما فوق الثقافة في الكتابات المعاصرة.

أما كتابته عن الأسلوبية والظاهرة الشعرية وما كان يسميه النحويون بالضرورة عند الخروج على الاستعمال المطرد في اللغة وما يُفهم من ذلك لديهم بأن هذا الخروج على الاستعمال عجز واضطرار فإنه يمضي في معالجة ذلك في كتاب كامل يرى فيه بأن الضرورة "إنما هي أقوى مظهر للإرادة الشعرية، وفيها تتجلَّى روح الأديب وفرديته، وبها يظهر المعنى الذي يدور عليه النص الأدبي باعتباره كلا متكاملا. وإذا كان هناك معنى ينبغي أن تؤخذ عليه الضرورة فهو معنى اللزوم الذي لا يغني فيه شيء عن الظاهرة نفسها. فهي ضرورة للعمل الأدبي لا يتم إلا بها..."
ثم يمضي بفصول الكتاب في شرح الأسلوبية وظاهرة الانحراف في الشعر، وظاهرة الانحراف والوزن الشعري، وفلسفة الضرورة الشعرية، ثم يتبع ذلك بمبحث تحليلي.
هذه بعض مدارات اشتغال أستاذنا في النظرية والتطبيق، وله الكثير من المصنفات في هذا الميدان منها: الأسلوبية والظاهرة الشعرية (مدخل إلى البحث في ضرورة الشعر) ط4، 2007م. –كما ألمحنا إليه قبل قليل- وكتاب نظرية القارئ وقضايا نقدية وأدبية، 1997م.

 والرمز والفن (مداخل الأسلوبية والسيميوطيقا إلى الدرس الثقافي ط1، 1988 – الذي وقفنا لديه- وطبع أكثر من مرة، وكتاب نظرية الرواية؛ دراسة لمناهج النقد الأدبي في معالجة فن القصة، دار قباء، 1998.

 وكتاب "قصيدة بانت سعاد وأثرها في التراث العربي"، المكتب الإسلامي 1986م، -وهذا الكتاب هو الذي قرَّر علينا أستاذنا ونحن طلاب في المستوى الأول شيئًا من فصوله قرأناه مصوَّرًا عن نسخة كانت لديه في ذلك التاريخ في جامعة صنعاء-، وكتاب المتخيل الثقافي ونظرية التحليل النفسي المعاصر، 2005م.

 وكتاب قراءات جديدة في أدبنا المعاصر 2015م.

 وكتاب أصداء الأوتوبيوجرافيا؛ ما لم يقله الشيخ عبد ربه التائه 2016م.

وأستاذنا شاعرٌ قديرٌ له أكثر من ديوان شعري منها: صلوات العشاق أو الاصطلاء بجذوة تخبو ط2، 1998م.

 وعبير الرياض، دار قباء 2003.

 ومن أزاهير الرياض، من إصدارات النادي الأدبي بالرياض  2004.

 ولينور، القاهرة، 2005م.

وله في مجال تحقيق التراث: ضرائر الشعر لابن عصفور الإشبيلي: هو الكتاب الذي فاز بالجائزة الأولى لتحقيق التراث من مجمع اللغة العربية بالقاهرة، عام 1981م.ومختارات البارودي (الجزء الأول والمشاركة في تحقيق الجزء الثاني)، الهيئة المصرية العامة للكتاب،1994م، وشعر ابن القُمِّ (غير مطبوع):دراسة لشاعر يمني قديم كانوا يعدُّونه "متنبي اليمن"، مع تحقيق لجميع ما أمكن العثور عليه من شعره المخطوط منه والذي تحتوي عليه المصادر الأدبية المختلفة. 
 كتب عن شعره الدكتور منصور الحازمي في مقدمة ديوان (عبير الرياض) فقال: "نحن قد تعودنا، وتعود الناس على تطبيق المقولة القديمة بأن شعر العلماء غث بارد لا خير فيه، وكأنما الشعر أو الفن على نحو عام، لا يمكن أن ينمو في نفوس مشغولة دومًا بقضايا العلم ومناهجه العقلية الجافة، ومن هنا فقد ضاع الكثير من شعر علمائنا الأوائل، كما غلبت الأكاديمية على بعض الموهوبين من أساتذة الجامعات في عصرنا الحاضر...ولاشك أن في شعر الصديق السيد إبراهيم نفحات جميلة من الفن والصدق والإنسانية. ويكفي أنه نعت ديوانه الحالي بعبير الرياض وفاء لهذه المدينة وأهلها، وتذكارًا لصحبة بعض الأحبة الذين التقى بهم في ربوع الجامعة. على أن هذا الوفاء لا يقتصر في الحقيقة على الحاضر المعيش، بل يمتد كذلك إلى أعماق الماضي البعيد، كما نرى في قصيدتيه: شذا الياسمين والأسير والغازي، بل كما نرى في معجمه الغارق في التراث والصور الصحراوية القديمة".

وقال الدكتور عز الدين إسماعيل في تقديمه لديوان (صلوات العشاق) ملخصًا تجربته الشعرية والإنسانية في ملمح ذكي موجز؛ معلقًا على إهدائه للديوان: "ومن هنا لا بد أن الشاعر ليس ذلك الصنف من الناس الذي يأبى إلا أن يواجه العمل الشرير بعمل من جنسه؛ لأن ذلك يعني – في بساطة- مضاعفة الشر، ولكنه يمثل صنفًا آخر يؤثر مواجهة الإساءة بالإحسان، وإشاعة النور من أجل تبديد الظلام. ولذلك لم يكن غريبًا منه أن يهدي شعره إلى خفافيش الليل الذين يصنعون الشرَّ في الظلام، ويكرسون بذلك القبح في الحياة، لعله يستطيع بهذا الشعر أن يمهد طريقًا للنور إلى قلوبهم المعتمة... وفي إيجاز أقول: ربما أراد الشاعر بديوانه هذا أن يكون أداة تطهير لنفوس أولئك الذين آثرهم به فأهداه إليهم، لأنهم –من منظوره- أمسّ حاجة إليه من غيرهم، إنهم الوجه الرديء للحياة الذي ينبغي أن يستبشعه أصحابه قبل غيرهم، حتى تبرأ الحياة من جهامتها، من الظلام الكئيب المخيم عليها، وتعمُّها الطهارة والبِشر والصفاء. ترى هل كان من باب المصادفة المحض أن اختار الشاعر لنفسه لقب "أبو هالة"؟!.

تحية:
       صَلواتُ العُشَّاقِ تُهديكَ عِشقا
هي أغلى ما في الوجودِ وأرقى
راحلٌ في الجمالِ يزدادُ قُربًا
كلَّما زاد في التأمُّل صِدقا
يبعثُ الودّ في القصيدةِ وعدًا
فيعودُ الوِدادُ في الحبِّ أنقى
يا نَدى النورِ في الرياضِ عبيرٌ
يهتفُ العمرُ فيهِ عطرًا وشَوقا
ولصنعاءَ في المدائنِ صوتٌ
يَسكنُ الروحَ في الزمانِ ويبقى
سِرُّها السِّحرُ، نَقشُها ليسَ يبلى
وهَواها يصيرُ في القلب رِقّا...
فصلُ الخِطَابِ:
"*رباعية الشوق:
حاصرتني الكلابُ في آخرِ الليلِ وقد كنتُ سائرًا في طريقي
فسالتُ الشّرطي هل تحتفي بي... هذه الكائناتُ قبلَ الشّروقِ؟
قالَ: من أنتَ؟ قلتُ: سامُ بن نوحٍ ..نَشِطَ الشوقُ والهوى في عروقي
فأطالَ التحديقَ فيَّ وما عتَّمَ أن عادَ للسُّباتِ العميقِ
@السيد إبراهيم محمد- ديوان (صلوات العشَّاق)، صنعاء، يناير 1989م.


* نُشر المقال في العدد -34 من مجلة أقلام عربية، أغسطس 2019م. ذو الحجة 1440هـ.
على الرابط الآتي:




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماذا تعرف عن الحيمة الخارجية؟!

كتاب (الإعلان بنعم الله الواهب الكريم المنان...) كتابٌ يمنيٌّ فريدٌ ومدهشٌ يضمُّ ستة كتب في الصفحة الواحدة

24- الأستاذ الدكتور إبراهيم الصلوي (أستاذ اللغة اليمنية القديمة)