17- الأستاذة الدكتورة/نبيلة إبراهيم (عميدةُ الفنونِ الشَّعبية، وذاتُ الهمَّةِ في القرن العشرين)

***************
- من هؤلاء تعلمتُ-
*سيرة ذاتغيرية*

(الحلقة السابعة عشرة، مجلة أقلام عربية، العدد (39)، يناير 2020م، جمادى الأولى 1441هـ)

الأستاذة الدكتورة/نبيلة إبراهيم
(عميدةُ الفنونِ الشَّعبية، وذاتُ الهمَّةِ في القرن العشرين)
************
نستهلُّ هذا العام بحديثٍ عن ضمير الأنثى (هِيَ) بحضورها الذي يمثِّلُ معنى القيمة، وعظمة السيرة، وسحر الحكاية، لا شكَّ أنَّ الحكاية أنثى، والقصَّة أنثى، والحياة أنثى، و"شهرزاد" التي كانت أستاذةً ومعلِّمةً لضمير الـ(هو) علَّمته معنى الجمال، وعالجته بالتشويق والدهشة، وروضته بالحكاية وعوالمها ليكون إنسانًا وديعًا، وتلميذًا مطيعًا بعد أن كان وحشًا كاسرًا؛ حين كسرته أنثى أخرى غيرها بجهلها، ورمَّمته (هي) بعلمها، وحكمتها، وحكاياتها، فكانت تحكي لتعيش، وكان يستمعُ ليُشفَى، وسواء أكانت "شهرزاد" حقيقةً أم خيالًا، ولا فرقَ إن كانت رمزًا أو واقعًا، فعلى الجُملة فقد كانت سِرًّا من أسرار البيان، ورائعةً من روائع ما أنتجه خيال الإنسان، وهي دُرَّة بديعة من ثقافات الشرق كان لها أثرها الذي لا يُنكر لدى الغرب، وكانت الحكاية وعاء ذلك السحر، ومدار ذلك السر، وأداة تلك الدهشة، بما احتوته- وما زالت تحتويه- من مناجم الخيال، وأساليب الرواية، وغواية الحديث، ولذة السرد.

حديثنا اليوم عن رائدة من رواد الأدب الشَّعبي، والدراسات الأكاديمية الشعبية، أستاذة قديرة كانت امتدادًا طبيعيًّا لجيل من الأساتذة الكبار، فهي طالبة نجيبة للدكتورة "سهير القلماوي" التي كانت بدورها تلميذة أنجب لعميد الأدب العربي "طه حسين" ولا بدَّ أنها أخذت عن الدكتور المتميِّز "عبد الحميد يونس"، إنها وارثة ذلك الجيل المؤسِّس للدراسات الشعبية التي تحوَّلت بفضل جهودهم إلى عِلمٍ يُعتدُّ به، وكيانٍ يُنافِس غيرَه من العلوم الأدبية الأخرى التراثية، والتقليدية، والنخبوية.
حديثنا عن أستاذتنا الدكتورة نبيلة إبراهيم سالم (1929- 18يناير2017م) أستاذة الأدب والنقد الحديث والأدب الشعبي بجامعة القاهرة التي يصادف هذا الشهر الذكرى الثالثة لرحيلها، وهي من أبرز أساتذة الأدب الشعبى والفولكلور فى الجامعات المصرية والعربية، كنتُ قد تتلمذتُ على بعض كتبها ودراساتها في دراستي الجامعية الأولى حتى جاءت الفرصة للتلقِّي المباشر على يدها في معهد البحوث والدراسات العربية، وذلك في الفصل الثالث التخصصي من السنة الثانية 2000/ 2001م، حيث درَّستْ لنا مقررًا عنوانه (أدب روائي) وكان الكتاب الذي بدأنا بدراسته معها هو كتابها الأكاديمي المميز (نقد الرواية من وجهة نظر الدراسات اللغوية الحديثة) ط1، 1986م، وفيه الكثير من المعارف التي اطلعتُ عليها لأوَّل مرة؛ حيث ركَّز ذلك الكتاب بمنهجية علمية على أثر الدراسات اللسانية الحديثة في دراسة النصَّ الروائي، وذلك من خلال الحديث والمقارنة بجهود "دي سوسير" في الدرس اللغوي وأثره على تحليل الرواية بوصفها فنًّا اجتماعيًّا متكاملًا، وكذلك ما قدَّمه "ليفي شتراوس" في علوم الإناسة وأثرها على البنيوية، وأهمية البنيوية التي أفادت من تلك الدراسات اللغوية، وبرز بوضوح في ذلك الكتاب المنهج الواقعي والبنيوي، وكيف ارتبط المنهج الواقعي بالقصة التي تعدها أقرب الأشكال الأدبية إلى الواقع.
كما تعلَّمنا في ذلك الكتاب كيف يعتمد المنهج البنيوي في دراسة الأدب على النظر للعمل الأدبي كبناء متكامل، يركِّز فيه النقادُ على اللغة مستخلصين الوحدات الوظيفية الأساسية التي تُدير العمل وتشكِّله، وعلى الرغم من تعدُّد وجهات النظر لدى أصحاب المنهج البنيوي إلا أن "شتراوس" يعدُّ من أشهر علمائه، وفي تحليلاته من العمق ما ركَّز فيه على مجموعة من الثنائيات الضدية، وقد بدأ بدراسة الأسطورة، ونجح إلى حدٍّ كبير في تغيير المفهوم الحضاري لها وعنها.
وكتاب أستاذتنا في مجمله دراسة نظرية حول وظيفة اللغة الأدبية في التواصل من خلال التشكيل الفني والجمالي، كما يقدِّم نموذجًا تحليليًّا للغة التأليف القصصي بدءًا من الكلمة بوصفها إشارة، ثم العبارة بوصفها تركيبًا، وانتهاء إلى العمل كلِّه بوصفه بناءً مكتملًا.
وبذلك يتضح مدى التأثير الذي أحدثته الدراسات اللغوية في الدرس النقدي بشكل عام وفي دراسات الأدب الشعبي بشكل خاص، ومن هنا كانت همَّة ذات الهمَّة في مشروعها الذي تأثَّرت فيه بتلك الشخصية العظيمة من شخصيات السير الشعبية، وهي شخصية البطلة العربية الأميرة ذات الهمة التي لُقِّبت بهذا اللقب لأكثر من سبب منها: شجاعتها وإقدامها وقيادة الجيوش، ورعايتها فيما بعد لأبنائها الأبطال، ومنها أنها نشأت في طيء وحاول كثير من الرجال الاعتداء على عفافها لكنها قتلتهم جميعًا، حتى تزوَّجت بالحارث ابن عمها "ظالم" رغمًا عنها وبواسطة الخليفة نفسه –كما في السيرة- لأنها كانت تقول: "إنَّ سيفي جملي، والغبار كُحلي، والحصان أهلي، فماذا أصنع يا أمير المؤمنين بالحارث وبغيره من العالمين".
وإذا كان الإنسان يتأثَّر بجليسه أو بصديقه فإنَّه أكثر تأثُّرًا بموضوع دراسته، وبعالمه الأكاديمي، فقد درست أستاذتنا تلك السيرة الشعبية، وتعرضت بالتحليل لشخصية ذات الهمّة، ولعوالم السيرة وأبطالها، وعلاقاتها بالغرب وبالبيزنطيين تحديدًا دراسةً مقارنة، في بعثة حصلت عليها من الدولة إلى ألمانيا، وكان ذلك مفتاحًا لانطلاقها في دراساتها الأكاديمية، وجهودها المختلفة في الترجمة، وفي الأدب الشعبي بشكل عام، وفي قضايا المرأة وعوالمها في الوجدان الشعبي بشكل خاص.
وقد حصلت على الدكتوراه من جامعة "جوتنجن" بألمانيا عام 1962م، عن أطروحتها باللغة الألمانية، ثم طبعتها بعنوان (سيرة الأميرة ذات الهمة: دراسة مقارنة) دار الكاتب العربي، القاهرة، 1968، وهي تقوم في جوهرها على المقارنة بين الأدب الشعبي العربي والأدب الشعبي البيزنطي، وترصد العلاقة بين العرب والبيزنطيين من خلال السيرة الشعبية. ثم عادت الأستاذة إلى جامعتها، وبدأت رحلتها العلمية التي استمرت لأكثر من نصف قرن وبضع من سنوات تدريسًا وتأليفًا وترجمةً، فملأت الحياة الفكرية والأكاديمية والبحثية والاجتماعية عطاءً وعملًا حتى استحقَّت بجدارة جائزة الدولة التقديرية في العام 2014م في العلوم الاجتماعية وبإجماع الأصوات والآراء.
بدأت حياتها العلمية من الشِّعر وانتهت إلى النثر والأدب الشعبي، حيثُ كانت رسالتُها في الماجستير في آداب القاهرة عن (روميات المتنبي) سنة 1954م، وقد وصف زوجُها أستاذنا الدكتور عز الدين إسماعيل تلك الروميات في كتابه في الشعر العباسي وفي إطار حديثه عن الصراع بين العرب والروم "بأنها تشكِّلُ موضوعًا قائمًا بذاته في تاريخ الشعر العربي لا لكثرة هذه الروميات فحسب، بل لقيمتها التاريخية والفنية كذلك، فهي في مجموعها تحملُ نَفَسًا ملحميًّا لولا فقدانها للشكل الملحمي"، وقد كانت تلك الروميات بالنسبة إلى الباحثة الشابَّة مدخلًا إلى دراسة العلاقة مع الغرب.
 ثم اهتمت أستاذتنا بقضايا المرأة في التراث الشعبي منذ دراستها في مرحلة الدكتوراه، حين وقفت على سيرة الأميرة ذات الهمَّة، كما مرَّ بنا، ثم قدَّمت دراسات مبكرة في هذا الاتجاه منها: المرأة في الحكايات والخرافات الشعبية1965م، واللغز في الأدب الشعبي1965، وأمُّنا الغولة1969، وقد كتبت الكثير من المقالات والأبحاث التي نُشر معظمُها في مجلة (الفنون الشعبية المصرية)، ومجلة (فصول)، ومنها: قصص أسطوري عربي1970، ومنشد الشعب1970، والفولكلور في التراث الشعبي1971، والحكايات الشعبية العربية1971، والحكايات الشعبية في ضوء التفسير النفسي1973، واليمين والشمال في التراث العربي1977، والإنسان والزمان في التراث الشعبي1978، والأسطورة؛ بحث معمَّق نُشر ضمن الموسوعة الصغيرة، بغداد1979، والسيرة النبوية بين التاريخ والأدب الشعبي1982، وعالمية التعبير الشعبي1983، والقصص الشعبي: جمعُهُ، وتصنيفُه1986، وخصوصية الإبداع الشعبي1992، والتَّحاور الفني مع التراث1994، والرمز والأُمثولة في التعبير الشعبي1996، ودراسة شهيرة عن المنهج الوظيفي في دراسة حياة الشعوب2001، وقدَّمت عرضًا لمعجم الفولكلور لعبد الحميد يونس2010، وغيرها.
 إنَّه عطاء مستمر بحثًا وتدريسًا وحياة علمية غزيرة الإنتاج لم تهدأ يومًا إلا لتبدأ، ولم تنشغل إلا لتتفرّغ لبحث جديد أو كتاب أو دراسة، وقد لخَّصت الكثير عن هذا الاتجاه في كتابها الذي يحملُ عنوان (درَّة الغوَّاص في التعبير الشعبي) وهو على شاعرية عنوانه يحمل الكثير من أفكارها، ومن طريقتها في الغوص، والبحث، والتنقيب، والاكتشاف.
تلك كانت بعض أبحاثها ومقالاتها، وقد عاشت متفرِّغة للعلم ولم تحفل كثيرًا بالعمل الإداري على الرغم من أنها شغلت منصب عميد المعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون بالقاهرة (1987- 1989) إلا أنها آثرت العمل الأكاديمي، فكان عطاؤها متركِّزًا في أعمال علمية وترجمات نذكر منها تلك الأعمال الرائدة، والكتابات المرجعية، والترجمات الرصينة التي أصبحت من أهمِّ المراجع في الدراسات الشعبية فى العالم العربي.
 وليس أدلَّ على ذلك من ترجمتها الرائدة لكتاب "جيمس فريزر" (الفولكلور فى العهد القديم) فى مجلدين كبيرين، صدرت الترجمة العربية منه للمرة الأولى فى عام 1972م، وقد ترجمته بتوصية من أستاذتها "سهير القلماوي" وهو للأنثروبولوجي "فريزر" الذي قام بتفكيك قصص التَّوراة ليثبتَ من خلال مقارنتها بمثيلاتها وبالعناصر الفولكلورية أن المصدر واحد؛ وهو الطبيعة الإنسانية المشتركة بين شعوب العالم، ولهذا تَبطُل المقولة المزعومة: "إنَّ اليهود شعب الله المختار"، وهو من أهم المراجع في الدراسات الفولكلورية، وفي مناهجها وتطبيقاتها.
ثم كانت ترجمتها للكتاب الثاني عام 1987م وهو كتاب "فريدريش فون ديرلاين" (الحكاية الخرافية ــ نشأتها مناهج دراستها- فنيتها)، ثم جاءت ترجمتها الرائعة للكتاب الثالث (الماضى المشترك بين العرب والغرب ــ أصول الآداب الشعبية الغربية) لمؤلفه "أ.ل.رانيلا"، وهو دراسة موسَّعة في الأدب الشعبي المقارن صدر عام 1999م عن سلسلة عالم المعرفة بالكويت، العدد(241)، تلك كانت أبرز جهودها في الترجمة.
وأمَّا كتبها المؤلَّفة فقد كان لها إسهامات متميزة في الدراسات الشعبية، ولا تخلو اليومَ دراسةٌ من الإحالة إلى تلك الكتب التي أصبحت عُمَدًا يعتمدُ عليها، ومراجع يعتدُّ بها لما تحتويه من رؤية علمية رصينة، وتصنيف حصيف، وتحليل عميق، فمَن من الدارسين اليوم أو من الرسائل الجامعية والأبحاث المحكمة ذات القيمة لا يرجع إلى كُتبها؟ من أمثال:كتابها العمدة (أشكال التعبير فى الأدب الشعبى) نهضة مصر،1966، وكتاب (قصصنا الشعبى من الرومانسية إلى الواقعية) دار الفكر العربي،1973.
  وكتاب (الدراسات الشعبية بين النظرية والتطبيق) مكتبة القاهرة،1973.
 وكتاب (البطولة في القصص الشعبي) دار المعارف،1977م، وكتاب (فنُّ القصِّ بين النظرية والتطبيق) مكتبة غريب،1990م.
 وهو من أوائل الكتب التي وظَّفت المنهج البنيوى فى دراسة القص، وفيه قراءة نقدية رصينة لرواية نجيب محفوظ (ليالى ألف ليلة).
وكذلك كتابها المبكر عن (نقد الرواية من وجهة نظر الدراسات اللغوية الحديثة) الذي سبق الحديث عنه، أما عن دراساتها المستفيضة والمتخصِّصة في السيرة الشعبية، وفي موضوعات الأدب الشعبى فذلك حديث يطول، وتكفي الإشارة إلى بعض كتبها القيمة، ومنها: كتاب (من نماذج البطولة الشعبية في الوعي العربي) ندوة الثقافة والعلوم، دبي،1993، و(البطولات العربية والذاكرة التاريخية) المكتبة الأكاديمية، 1995م.

 و(الإنسان والكون فى التعبير الشعبى)، و(المقومات الجمالية للتعبير الشعبي) الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة،1996، وغيرها.
 وكما اهتمَّت أستاذتنا بالسير الشعبية اهتمَّت بمن علَّمها، فكتبت عن أستاذتها "سهير القلماوي" سيرةً ذاتيةً علميةً أصبحت مرجعًا مهمًّا، كما أنها دوَّنت عن نفسها جانبًا من سيرتها الذاتية في كتاب –هو آخر ما صدر قبل وفاتها- عنوانه "ذات الهمَّة في القرن العشرين، يوميات د. نبيلة إبراهيم"2015م عرضت فيه للحديث عن بيت العائلة الكبير، والنشأة الأولى والثانية، وتحدَّثت عن سفرها للدراسة في ألمانيا، وختمت الكتاب بملحق للصور، وهو كتاب على صغر حجمه وقلة عدد صفحاته إلا أنه يحمل روحًا من روحها، وشيئًا من حياتها العامرة بالكتابة، والبحث، والتجربة الإنسانية لواحدة من نساء هذا العصر الّلائي لم يكنَّ أقلَّ من أسلافهنَّ العربيات ذوات الهمم العالية، والتاريخ المشرق الذي يصنع أجيالًا عربية قادرة على المنافسة، والعطاء، والخلود.
وبالمناسبة لم يكن اهتمامها بالمرأة وقضاياها اهتمامًا عابرًا أو لغرض البحث فقط، بل كان سلوكًا، وممارسة، واهتمامًا بالقيمة التي تمثِّلها المرأة والرسالة التي تؤدّيها في مجتمع ذكوري في الغالب، وقد لاحظتُ ونحن معها في قاعة الدرس كيف كانت تهتمُّ ببناتها من الطالبات اهتمامًا خاصًّا، وتدفعُ فيهنَّ روحًا من التشجيع، وبخاصَّة أنه كان معنا زميلتان فلسطينيتان، رعاهما اللهُ حيثُ حلَّتا الآن، وهما: "عَدلَة أبو خوصة، ومروة طُبيل"، فكانت كثيرةَ الاهتمام بهما وبمتابعتهما، والحقُّ أنهما كانتا من أفضل الطالبات والطلاب في الدفعة اجتهادًا وتحصيلًا، وكان مستواهما جيدًا جدًا، ومما يحسب للمرأة الفلسطينية هذا الحرص على التعلُّم، وترك الأهل، والغربة من أجل العلم لأنَّه في وعيهنَّ السبيل الحقيقي للمقاومة، والنضال، والعيش الكريم، فبالعلم يكون الانتصار على العدو الغاشم الجاثم، وبه سيكون التحرُّر، إن شاء الله، وليس بشيء سواه، وذلك هو إدراك الشخصية الفلسطينية كما لمسناه فيمن جمعتنا بهم الدراسة في ذلك المعهد العريق.
علَّمتنا أستاذتنا الدكتورة نبيلة إبراهيم معاني الجدِّ، والثقة بالنفس، والمثابرة، وأنه لا شيء مستحيل أمام الإرادة الصادقة، والهمَّة العالية، وكلُّ إنسانٍ مُيسَّرٌ لما خُلق له، ولا يتميَّز إلا المجدُّون والمثابرون.
في مسيرتها العلمية والأكاديمية الفضلُ على كثير من طلابها في مراحلهم التعليمية المختلفة، ولا أحد ممَّن درس الأدب الشعبي في كلية الآداب جامعة القاهرة إلّا ويذكر قدرها، ويشكر فضلها مع أساتذة هذا المقرر المهم أمثال أستاذنا القدير والمتميز دومًا الأستاذ الدكتور أحمد علي مرسي –حفظه الله-.
وقد أشرفتْ على عدد من الأطروحات الأكاديمية سواء في الأدب الشعبي أو فيما يتعلق به من التخصُّصات الأخرى أو يتعالق معه، وقد بدأت ذلك الإشراف على رسائل الماجستير منذ وقت مبكر في العام 1970م، وتنوّع إشرافها على عدد من الطلاب العرب من الجزائر، ومصر، والعراق وغيرها، وقد أصبح بعضُ طلابها أعلامًا في الجامعات العربية والعالمية، نذكرُ منهم مثلًا: أ.د"عبد الحميد بورايو"، وأ.د"فتوح أحمد فرج"، وأ.د"صبري مسلم"، وقد عمل أستاذًا ورئيسًا لقسم اللغة العربية في جامعة ذمار مع زوجته الدكتورة وجدان الصائغ؛ وأثريا المشهد اليمني نقدًا ودراسةً وتدريسًا، فسلام الله عليهما، وهما يعملان الآن في جامعة "ميشيغان" بأمريكا.

 ومن الأجيال اللاحقة عددٌ من الأساتذة الجامعيين والباحثين في الأدب الشعبي، منهم صديقي وزميلي أ.د.خالد أبو الليل أستاذ الأدب الشعبي بجامعة القاهرة، ورئيس تحرير سلسلة الثقافة الشعبية بالهيئة المصرية العامة للكتاب، وغيرهم كثير.
وكما بدأنا حديثنا بضمير الـ(هي) نختم به، وبما أنَّ الشَّيء بالشيء يذكرُ، فبالإضافة إلى أستاذتنا الدكتورة الفاضلة "نبيلة إبراهيم" فقد درستُ في حياتي العلمية الجامعية على يد ثلاث أستاذات أُخريات هُنَّ:

 الدكتورة "أمة الرزاق علي حُمَّد" التي درَّستنا مقرَّر مناهج وطرق التدريس في كلية التربية جامعة صنعاء، والمعيدة أمة السلام جحاف، وكانت حينئذٍ متدرِّبة ومتعاونة مع الدكتور "محمد الخياط" في مقرر أصول التربية.

 والأستاذة الدكتورة "عزَّة غانم"، وقد درستُ لديها مقررًا اختياريًّا هو (التربية الخاصَّة)، فجزى الله الجميع خير الجزاء ممن علَّمنا من ذكر أو أنثى.
 *(تحية)*:
"يا بنتْ الاجوادْ يا مَنْ عِشْتِ في القِمّةْ

يا رمزْ الامجادْ في الإخلاصْ والحكمةْ

العلمْ يزدادْ بالإتقانْ في الكلمةْ

والفضلْ ينقادْ من ذمِّةْ إلى ذمِّةْ

الخير ألوانْ وأنواعْ الأدبْ أجناسْ

واخترتِ عنوانْ غَدا للمجتهدْ مقياسْ

ما خَابْ إنسانْ سَعى بالنّورْ بينْ الناسْ

يا ذات الأعيادْ وذاتْ العلمْ والهمَّةْ..."
 **(فصلُ الخِطَابِ)**:

"هناك مشكلةٌ تثار عند دراسة الأدب الشعبي خلاف مشكلة دوافعه الشعبية، تلك هي مشكلة تأليف هذا الأدب، فمن ذا الذي يؤلِّف هذه الأنواع الأدبية بأشكالها المحدَّدة؟ أهو الشعب كلُّه أم هو فردٌ بعينه؟ وهل من المعقول أنَّ الشعبَ كُلَّه يمكنُ أن يجتمع ليؤلِّف أسطورةً أو حكايةً خرافيةً أو شعبيةً على سبيل المثال؟ أو هل يمكنه مجتمعًا أن يؤلِّف نكتةً بشكلها الموجز المليء بالمغزى والسُّخرية؟! إن هذا لا يمكن أن يحدث بطبيعة الحال. ولم يبقَ سوى أن نفترض الأصل الفردي للإنتاج الأدبي. وهذا الفرد الخلَّاق لا يعيش حياةً ذاتيةً بعيدةً عن المجموع، وإنما يعيش حياة شعبية صرفًا. وهو بما له من نشاط إبداعي خلّاق يخلقُ الكلمة المعبِّرة التي سرعان ما تلقَى هوىً بين أفراد الشعب جميعه، إذ تكمن فيها روحه وتجاربه ومشكلاته"@ نبيلة إبراهيم (أشكال التعبير في الأدب الشعبي).

* نُشر المقال في العدد -39 من مجلة أقلام عربية، يناير 2020م. جمادى الأولى 1441هـ.
على الرابط الآتي:
 


تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماذا تعرف عن الحيمة الخارجية؟!

أعمال ومؤلفات الدكتور إبراهيم أبو طالب ودواوينه الشعرية [مرتبة زمنيا بحسب صدورها ( 1999- 2023م)]

24- الأستاذ الدكتور إبراهيم الصلوي (أستاذ اللغة اليمنية القديمة)