25- الأستاذ الدكتور أحمد شمس الدين الحَجّاجي (باحثُ الأسطورةِ، ورائدٌ من رواد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها)

(الحلقة الخامسة والعشرون، مجلة أقلام عربية، العدد (47)، سبتمبر 2020م، صفر 1442هـ)

الأستاذ الدكتور أحمد شمس الدين الحَجّاجي (باحثُ الأسطورةِ، ورائدٌ من رواد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها)

#من_هؤلاء_تعلمتُ

*سيرة ذاتغيرية*

حديثنا اليوم عن واحدٍ من أعلام قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة القاهرة، الجامعة التي أعتزُّ بالتخرج فيها والاتصال بأعلامها الكبار، وهو أستاذنا الدكتور أحمد شمس الدين مصطفى الحجاجي المولود في (طيبة) عاصمة مصر القديمة، وهي (الأقصر) حاليًّا في عام 1934م -أطال الله في عمره- وقد تلقَّى تعليمه الأوّلي بمدارس بلدته حتى أتمَّ دراسته الثانوية، ثم سافر إلى القاهرة، والتحقَ بقسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ولم يكن اختياره للغة العربية ببعيد عنه أو عن أسرته؛ لأن والده (شمس الدين) كان قد اختارها، وكذلك أخوه (كمال الدين)، وقد تخرَّجا في كلية اللغة العربية بالأزهر الشريف، إلا أنَّ أستاذنا التحق بجامعة القاهرة ذات الطابع الحداثي، عام 1955م، ودرس على يد كبار أساتذتها، أمثال: طه حسين، وسهير القلماوي، وعبد الحميد يونس، وشوقي ضيف، ومحمد كامل حسين، وشكري عياد، وغيرهم. وبذلك اختلف عن أبيه وأخيه، بل تميَّز عنهما بمواصلته للدراسات العليا، فحصل على الماجستير (في النقد المسرحي في مصر) عام 1965م، ثم حصل على الدكتوراه عن أطروحته (الأسطورة في المسرح المصري المعاصر) عام 1973م بإشراف الأستاذة القديرة د.سهير القلماوي.

ثم قام بتثقيف نفسه باللغات والعلوم والمعارف الغربية، والمناهج الحديثة، ولأنَّه نشأ في بيئة عَالمة ومثقَّفة، وعاش في الأقصر ذات التاريخ والحكايات والأساطير والتنوع الثقافي والمعرفي، ومن خصائصها التعايش الديني والحضاري، فقد صار أنموذجًا للمثقف الواسع الاطلاع، الرقيق الطبع، المتدفق الحسِّ والخيال، وهذا كله انعكس في تعامله مع الأدب إبداعًا ونقدًا، بل أضاف إلى ذلك اهتمامَه الواسع بالأدب الشعبي، فكان واحدًا من أبرز أساتذته، ومن هنا خرج هذا الأنموذج المتفرِّد المستخلَص من هذه الثقافات، وأضاف إليها أصالة أسرته ومكانتها العلمية في الأقصر، فهو من أسرة (الحجَّاجي) ذات التاريخ والمعرفة العلمية في منطقته، ومن هنا ظهر أسلوبُه وانعكس في تعامله مع الناس من ناحية، كما استثمر المكانَ ووعيه بحكاياته وأساطيره وتراثه في أعماله الإبداعية من ناحية أخرى، فكان منها أبرز أعماله الإبداعية، وهي رواية (سيرة الشيخ نور الدين).

       كنتُ ألتقي به في القسم كثيرًا، فأرى فيه التميز، وألمس في حواراته الكثير من الصدق والروح الأصيلة التي لا تكلُّف فيها ولا ادعاء، إنه مزيج من الإنسان الريفي البسيط في تعامله وكلامه، والأكاديمي القدير في مهابته وعباراته وثقافاته المتنوعة، ولكنه كان دومًا أقرب إلى المأثورات الشعبية والدراسات الأدبية المتعلقة بها، وهو في حواراته وحديثه يكثرُ التركيزَ على الربط بينها وبين الآداب العربية الفصيحة؛ إذ يرى أنها من مشكاة واحدة، بل إنَّ الأدب الشعبي في كثير من قضاياه يفوقها عمقًا ودلالة، وربما فسَّر ذلك ربطه المستمر بينهما في مؤلفاته وأبحاثه.

       كانت لي معه الكثيرُ من الجلسات في القسم وفي حضور أساتذة القسم الآخرين، وكم كنتُ ألمسُ في تلك الجلسات قدرَ الرجل عند زملائه وطلابه -الذين صار بعضُهم زملاءً له- كيف كان يعاملُهم بأبوَّةٍ علميةٍ فريدةٍ، وكيف كانوا يجلُّونه ويقدرونه لخُلقه العالي، وعلمه الغزير، ومكانته البحثية والمعرفية.

تعلمتُ من أستاذنا -وقد ناقشني في رسالتي للدكتوراه مع أستاذي المرحوم -خالد الذِّكر- د.عبد المنعم تليمة الذي وصفَ الدكتورَ الحجاجي يوم المناقشة بـ"الرائد العظيم، والصديق القريب" وأستاذي الدكتور خيري دومة، وأستاذي الدكتور السَّيد إبراهيم محمد- تعلمتُ منه كيف يقفُ الأستاذُ الحصيفُ عند مفاصل البحث الذي يقوم بمناقشته، ويرى ما لا يراه الباحث من الجوانب التي كان عليه استكمالها، وكذلك كيف يعبِّر عن رأيه العلمي، ووجهة نظره -بحكم خبرته وتخصصه- بكلِّ هدوءٍ وعمقٍ دونَ تجريح أو توبيخ أو صراخ، كما قد نراه في أساليب بعض الأساتذة -للأسف الشديد- ممن يشنُّ هجومًا مكثفًا على الطالب يوم المناقشة لأغراض متباينة، وكأنَّه في حربِ (نكون أو لا نكون)، [وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَه]، ولكن أستاذنا وضعَ النقاط على الحروف، وأفاد وعلَّم، ووضَّح وفهَّم بكلِّ ذوقٍ ورقيٍّ وأستاذيَّةٍ، فجزاه الله خيرًا.

مما وقف لديه أستاذنا في تلك المناقشة، وأشاد به -لقربه من اهتمامه بالأدب الشَّعبي تحديدًا- هو تحليلي لمجموعة أروى عبده عثمان، بل أذكر أنه طلب مني -يومئذٍ- إبلاغَها السلام والتحية على إبداعها وتميزها في مجموعتها (يحدث في تَنَكَا بلاد النَّامس) وقد تمنَّى لو أطلتُ التَّحليلَ لهذه المجموعة التي رأى فيها -بحسب قوله- اليمنَ بكلِّ جوانبها وفنونها وقضاياها، وإنسانها، ومكانها- وهي كذلك بالفعل- وسأقتبسُ لكم هنا شيئًا من ذلك التحليل الذي أَعجبَ أستاذَنا الفاضل في الرسالة (وهي مطبوعة في كتابي: تطوُّر الخطاب القصصي؛ من التقليد إلى التجريب القصة اليمنية نموذجا، دار غيداء، الأردن، ط1، 2017م).

 ومن خلاله نجدِّد التحية والسلام للأستاذة المبدعة أروى عثمان؛ حيث كتبتُ: "يمكن أن يمثِّل الحدث الخرافي امتدادًا للفانتاستيك بمعناه الواسع، ولكنه يقتربُ من الخرافة أكثر من خلال ميدانها الخصب، وهو الحكاية الشعبية بما تكتنـزه من رموز ذات دلالة وإيحاء جديدين، لمعالجة فكرة ما، وهذا هو الذي جعلنا نفرده هنا، ولعل توظيف هذا الحدث بطريقة تجريبية في استيحاء روح الحكاية الشعبية، وتفجير رموزها كغطاء محكم وذكي لتمرير الانتقادات الاجتماعية والسياسية هو ما يحقِّق التجريب في هذه المرحلة وقد نجحت فيه – إلى حد بعيد- أروى عبده عثمان في مجموعتها"يحدث في تنكا بلاد النامس"(مركز عبادي، صنعاء، 2003)، وبخاصة في أربع قصص في المجموعة هي: قصة"كيف استطاع حمادي الأفلخ أن يأتي بالجن مربطين؟"، وقصة"جرجوف مدينتنا"، وقصة"شبيك لبيك"، وقصة"يحدث في تنكا بلاد النامس".

تقوم كلُّ قصةٍ على حدث خرافي لحكاية شعبية، ولكنها تحمل دلالة جديدة ذات بعد سياسي أو اجتماعي، وتمتزج بواقع جديد تذوب فيه معالم الحكاية القديمة حتى تكاد تتمَاهى مع القصة فيما يمكن أن يطلق عليه بالحكاية الجديدة، فالحدث في قصة"جرجوف مدينتنا"يأتي معتمدًا على بنية الحكاية الشعبية؛ حكاية"الجرجوف"، ولكنها تحمل دلالةً عميقةً؛ حيث ترمز إلى الظلم، فالجرجوف الذي كان في الحكاية وحشًا خرافيًّا هو في القصة شخصية مختلفة"فجرجوف مدينتنا دائم الأزرَّة بهندام أطلس أملس، وأهل مدينتي ما زالوا يشكُّون مِن ماهيَّةِ ذلك الشيء الذي يظل يهتزُّ خلفَه عند مشيته وخيلائه أهو ذنب أم شيء آخر"، وإن كان ما يزال يحمل نفس طباع جرجوف الحكاية من مسخٍ وقتلٍ، وأكل للحوم البشر لكنه هنا يتحول إلى رمز لكل مستغل يعيث بالمدينة فسادا ؛ بل إنه قد"شرخها نصفين، وأحال شروخها أشلاءً.. وقبلها كان قد استهلك خلاياها الحية والميتة، عاث بكينونتها فسادًا ودمارًا هرق حكايتها الدافئة بين أقدامه.."(ص 39)، ولا تخفى الدلالة السياسية من هذه الأفعال لجرجوف المدينة المتمثلة في شرور النفس، وأعمال المستغلين، ثم يؤكد ذلك خطابه كزعيم يلقي على أشلاء الغرفة السابعة -التي يخفي فيها ضحاياه في الحكاية- خُطبته"انتصب على منبر الغرفة السَّابعة ليلقي على الأشلاء رسالته الأخيرة، فتح موسيقى هادئة، وبصوت هادئ قال: أما بعد: فمن قلب الغرفة السابعة أهدي لك هذه الأمنية، أتمنى لك ولزهرتيك كل خير.. ومع محبتي.."وهي كلمات منمقة تخفي تحتها السم والموت، ثم يأتي الخَلاص من عِرْقٍ مازال ينبض في تلك الجثة، وهو رمز للحياة التي تدبُّ في المرموز له وهو الوطن، فكما عادت الحياة في الحكاية من خلال الخاتم والإصبع المدفونة تعود هنا أيضا من خلال العِرق النـابض الذي"كان في الليـل يتجذَّر، وفي الفجر يسقي نفسه بالدموع والندى، ويغني أغنيته الحزينة: وامريم وامريمه/عروقك في بير زمزمه/تصرخ هاك الإصبع والخيتمه..، - ونلاحظ التغيير في كلمات الأغنية بما يناسب المعنى الجديد في القصة - ثم تخرج من صبح مشمس جذورُ العِرق النابض من شروخ بئر زمزمه أصابع تختال بخواتمها اللامعة لتتحول إلى نخيل مثقلة بالرطب، وتنتهي الحكاية الجديدة بصراع بين الجرجوف، وبين النخلة يسفر عن انتصارها - كرمز للخير - على الجرجوف الشرير الذي يفتضحُ أمره ويظهر ذيله المشوك القبيح، ويضحك المنتصر في الأخير. هكذا يتم توظيف الحدث الخرافي ليحمل دلالة تجريبية وتجديدية معا ذات مضمون سياسي وطني، ونفس الأمر يتحقق في القصص الأخرى للكاتبة...الخ"، ذلك كان بعض التحليل لقصص مجموعة (يحدث في تنكا بلاد النامس)، والذي ما يزال يحدثُ.


       لا يمكن لأيِّ باحثٍ في الأدب الشعبي أن يتجاوز كتابات أستاذنا الحجاجي في هذا الميدان التي من أهمها (مولد البطل في السيرة الشعبية)، وقد درس فيه السِّيرَ الشعبية جميعها، واستخلص منها ملامح مولد البطل، وكأنه -باتِّباعه طريقة البنيويين في معرفة الوظائف في الحكاية الشعبية- قد وصل إلى معرفةٍ جامعةٍ لما يربطُ السِّيرة الشعبية بأهم روابطها المشتركة في الخيال الشعبي، وفي طريقة بناء السيرة ذاتها؛ حيث يكون مولد البطل علامةً مهمةً في بناء السيرة وأحداثها وشخصياتها، ثم كان له الجهد العلمي المتتابع في هذا الميدان؛ فتناول مَعلَمًا آخرَ في السِّيرة الشِّعبية، وهي (النبوءة، أو، قدر البطل في السير الشعبية العربية) فالنبوءة ليست مجرد حدث عابر في بناء السيرة، بل عدَّها بنيةً ركيزةً في السير الشعبية لا تخلو منها أي سيرة، ومن هنا كان كتابه مؤكِّدًا على تأملاته العميقة في معايشة السيرة الشعبية والخوض فيها، وهو بذلك يتلمَّسُ جوانبَ ذكيةً ودقيقةً في تلك السِّير تدلُّ على حسٍ معرفي ومنهج نقدي.

ومن سيرته وأعماله الكثيرة نرصدُ بعضها؛ حيثُ عمل الدكتور أحمد الحجاجي في تدريس اللغة العربية والأدب العربي في بلده مصر بعد عودته من أمريكا في الثمانينيَّات. ولم يقتصر تدريسه للغة العربية وآدابها على مصر وحدها، بل امتد نشاطه التعليمي إلى أمريكا، وسلطنة بروناي، والسعودية، والإمارات، وكوريا التي عمل فيها أستاذًا زائرًا في جامعة (هانكوك) للدراسات الأجنبية في (سيول)، وبقي فيها عامًا، ثم سافر من هناك إلى أمريكا، وعمل في تعليم اللغة العربية والأدب العربي والأديان المقارنة في جامعات عديدة كجامعة (نورث كارولينا)، وجامعة (أبليكانت)، وجامعة (ويسكونسن بماديسون)، وظلَّ يدرّس في جامعات أمريكا أكثر من عشرين عامًا، ثم عاد إلى وطنه ليدرّس اللغة العربية و النقد والأدب الشعبي والمسرح في المعهد العالي للفنون المسرحية، والجامعة الأمريكية، وجامعة القاهرة. وفي عامي 1993و1994م عمل أستاذًا زائرا في المعهد العالي للدراسات الإسلامية بوزارة الشئون الدينية ببروناي دار السلام. وخلال عمله في تلك الجامعات أشرف على عددٍ كبيرٍ من رسائل الماجستير والدكتوراه، وتخرّج على يديه مئات من الباحثين. وقد أشرف على تنظيم الدورات اللغوية المكثفة للطلاب البروناويين الذين التحقوا بجامعة الأزهر، كما ظهرت جهوده عمومًا في تعليم اللغة العربية لطلاب شرق أسيا.

ومن اهتماماته أيضًا تقديم الفن الشعبي للجمهور الواسع، فكان له برنامج بعنوان (الفن الشعبي) يجلِّي فيه هذه الفنون، ويعرض للسيرة الهلالية بالحوار مع أحد رواتها الحافظين، ومنهم: (محمد اليمني)، وقد أذيع في التلفزيون المصري، ويمكن البحث عنه ضمن ذاكرة (ماسبيرو).

وأما عن كتبه ومؤلفاته فلأستاذنا العديد من الأعمال المتميزة، وفيما يأتي سنقف عند تفصيلها: مع الاستعانة بما كتبه صديقه وزميله د. عارف كرخي أبو خضيري في رصده لجهود الحجاجي الأدبية التي تمثَّلت في أحد عشر مؤلفًا، ترتكز على ركيزتين كُبريين هما: (الأسطورة، والسيرة)، ونفصِّلها على النحو الآتي:

أولا: الأعمال الإبداعية:

1- رواية (سيرة الشيخ نور الدين) طبعتها الهيئة المصرية العامة للكتاب، عام 1987م، (وأعاد المجلس الأعلى للثقافة طباعتها عام 2002م). هذه الرواية نُشرت في عام 1985م في حلقات في مجلة القاهرة، ثم نُشِرت مجموعةً في كتاب في العام التالي 1986م، وتضمُّ الرواية (22 فصلًا)، تتضمن حوادث من حياة مؤلّفها التي مرَّت به في مدينتي الأقصر والقاهرة، وتمثّلهُ شخصية "محمود" الراوي، وحياة أسرته، وعائلته (الحجَّاجية)، فهو لأب من الأشراف، ومن نسل الشيخ أبي الحجاج الأقصري، وفيها كثير من الشخصيات الحقيقية كزملائه وزميلاته وأصحابه وجيرانه ومعارفه وأهالي بلدته ورجال الدين بها. إلا أنها تركّز أساسا على سرد حوادث حقيقية – في أغلبها- وقعت لوالدهِ الشيخ (شمس الدين) مدرس اللغة العربية في مدرسة الأقباط بالأقصر، ومأذون المدينة، وقد أطلق عليه المؤلف اسم الشيخ (نور الدين). بيد أنه أسبغ على روايته خيال كاتب السيرة الشعبية، وأخرج بطله من حيّز الإنسان الواقعي إلى حيّز الإنسان الأسطوري حينَ صوَّر الشيخ نور الدين في صورة البطل الشعبي، والولي، والصوفي، والمغامر، والفارس، والمقاتل، والمجاهد، والرحّالة، وأسند إليه أعمالًا ووقائع خارقة لا تصدر إلا عن شخصيات أسطورية أو عن أبطال السّير الشّعبة كعنترة وأبي زيد الهلالي وغيرهم. فالرواية في أساسها سيرة ذاتية لمؤلِّفها ولوالده معًا، وقد وضِعت في قالب السّيرة الشّعبية، أو هي بعبارة أخرى مزيج بديع متقن من السّيرة الذاتية والسّيرة الشّعبية -كما يرى أبو خضيري.

       وقد لاقت هذه الرواية/السيرة استحسانًا كبيرًا في الأوساط النقدية والأدبية والفنية، ومن مظاهر ذلك الاستحسان أنها حوِّلت إلى مسلسل تلفزيوني بعنوان (درب الطيب) من إخراج نادر جلال، وبطولة هشام سليم، وشارك في المسلسل أكثر من (107) ممثلًا وممثلةً من نجوم الفن المصري، ومن كبار الفنانين: من أمثال الفنان عمار الشريعي مُلحنًا، وبشير الديك كاتبًا للسيناريو والحوار. وجاء المسلسل في (34) حلقة تلفزيونية، وهو عمل كبير، دارت أحداثُه في الأقصر، وبدأ بحادثة التفجير الإرهابي في الأقصر، وكيف أثَّر ذلك على السياحة في مصر، وكانت تلك الحادثة نواةً للحكاية أو السيرة ودافعا لبداية أحداثها، ثم يرجع محمود ابن الشيخ نور الدين الحجاجي لبلده بعد هذه الحادثة، ويعود بالفلاش باك ليروي سيرة الشيخ نور الدين الحجاجي. وهي رواية سِيرية للإنسان والمكان، وقد أبدع فيها أستاذنا، وبرهن على قدرته العالية في السَّرد، وفي تمثيل المتخيَّل وربطه بالواقع، هذا بإضافة إلى المحمولات الشعبية والأسطورية الكثيرة التي تخلَّلت الرواية السيرية، وكانت علامةً لتميُّزها واكتنازها بالمعنى والفن، وبالحياة والتاريخ، وبصفات المكان وخصائص إنسانه في الأقصر.

2- مسرحية (الخماسين)، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1988م. نُشرت هذه المسرحية ضمن سلسلة المسرح العربي، وهي في ثلاثة فصول، تدور حول جريمة قتل راح ضحيتها الشاب "عليوة" شقيق (عبدربه أبو السعود الحشاش) من أثرياء نَجع من النجوع الشهيرة بالأقصر، وموضوعها في ظاهره قضية الثأر التي تنتشر في صعيد مصر، وفي باطنه موضوع العدالة. فرياح الخماسين المحمَّلة بالشر المستطير -في بُعدها الرمزي- تقوم المسرحية على محاولة مواجهتها بالعدل، ليتحقق للإنسان حلمَهُ الأزلي في أن يتطابق العدل والقانون من أجل تحقيق العدالة الكاملة. ونلاحظ اعتماد الكاتب في إبداعه على معطيات الواقع وعلى بيئة الأقصر بقضاياها وهمومها وإنسانها وثقافتها، ومن هنا تميز في طرحه.

ثانيًا: الأعمال النقدية: توزَّعت على مجالات ثلاثة، هي: المسرح، والأسطورة، والسّيرة الشعبية، وذلك على النحو الآتي: (المسرح) أربعة كتب هي:

3– (النقد المسرحي في مصر، 1876- 1923م)، القاهرة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 1993م. وهي دراسة تأسيسية رائدة في مجالها جعلها في تمهيد؛ يكشف فيه عن المؤثرات في النقد المسرحي، وبابين كبيرين هما: الأول يتحدث عن فكرة المسرح، وقد تناول فيه نظرية المحاكاة، وأداة المسرح (لغته)، ووظيفته. والثاني تحدَّث عن فنية النقد المسرحي، وكشفَ فيه عن ثلاثة ألوان من النقد المسرحي، وهي: نقد الدِّعاية، ونقد التوجيه، والنقد الفني.

4- (العرب وفنُّ المسرح)، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1975م. وتناول فيه المسرح عبر التاريخ؛ حيث جاءت فصوله الخمسة هكذا: الأول: المسرح والعصر الجاهلي، والثاني: العصور الإسلامية والمسرح، والثالث: عصر السّيرة والمسرح، والرابع: الاحتكاك الحضاري والمسرح، والخامس: العصر الحديث والمسرح.

5- (The Origins of Arabic Theatre - أصول المسرح العربي)، كتبه في أمريكا، ثم نشره في الهيئة المصرية العامة للكتاب في القاهرة عام 1981م. وهو في أربعة فصول: الأول: عن دور الإسلام والحضارة الإسلامية في نشأة المسرح العربي، والثاني: عن أثر البعثات التعليمية في التأصيل للمسرح العربي، والثالث: عن الفِرق المسرحية الأوربية وأثرها في الجوانب الاجتماعية والفنية في مصر. والرابع: عن تأثير ترجمة مسرحيات شكسبير في الفن المسرحي العربي.

 6- (المسرحية الشعرية في الأدب العربي الحديث)، القاهرة، دار الهلال، 1995م. ينطلق من التأصيل؛ حيث يرى أن "فنون الفرجة الشعبية" كخيال الظل والأراجوز والسيرة الشعبية والتعازي الشيعية هي- بما انطوت عليه من عناصر السرد والحكاية والغناء- المقدماتُ الأولى للمسرح الشعري العربي، وفي الكتاب استكشاف لرحلة الشعر المسرحي في الأدب العربي قبل شوقي وبعده ليتعرَّف على حقيقة ريادته للمسرحية الشعرية في الأدب العربي، وقد وضع الشعر المسرحي في حلقات هي: حلقة التأصيل، يمثّلها شوقي، وحلقة التطوّر، يمثلها باكثير وعبد الرحمن الشرقاوي، وحلقة النضج أو التجديد، يمثلها صلاح عبد الصبور.

(الأسطورة) ثلاثة كتب، وهي:

7- (الأسطورة في المسرح المصري المعاصر، 1933 – 1970م)، القاهرة، دار المعارف، 1984م. وهو في الأصل أطروحته لدرجة الدكتوراه التي فتحت له عوالم الأساطير والسّيرة الشّعبية والإبداعات الروائية والمسرحية، وفيها درسَ مصادر الأساطير الشرقية والغربية، وأوضح أثرها في أربع عشرة مسرحية لسبعة من مؤلفي المسرح المصري، وهي كل ما أُلِّف في المسرح المصري المعاصر مما استمد أصوله من ينابيع أسطورية.

8- (الأسطورة في الأدب العربي)، القاهرة، دار الهلال، 1983م. وفيه درس أسطورة الخلق الفني في الأدب العربي، وقد قسَّم الكتاب إلى مدخل، وبابين. حاول في المدخل توثيق مادة هؤلاء الشعراء من الأعمال المدوَّنة في العصر العباسي محاولًا التعرُّف على شكلها الشعبي. وخص الباب الأول للأعمال المكتوبة نثرًا، وقد قسَّمه إلى فصلين، فصل خاص بالمقَامَة الأسودية، والمقامة الإبليسية لبديع الزمان الهمذاني. والفصل الثاني دراسة لرسالة التوابع والزوابع لابن شهيد. أما الباب الثاني فدراسة لأسطورة الخلق الفني في الأعمال الشعرية، وقسَّمه إلى فصلين، الفصل الأول دراسة لقصيدة الحكم بن عمرو البهراني، والفصل الثاني دراسة لمسرحية مجنون ليلى لأحمد شوقي. 

وأُعيدت طباعته بعنوان (تجليات أسطورة الخلق الفني في الأدب العربي) صدر عن الهيئة العامة المصرية للكتاب، 2016م.

9- (صانع الأسطورة الطيِّب صالح)، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1990م، وهي دراسة لدور الأسطورة في أعماله: (عرس الزين، ومريود، وبندرشاه (ضوء البيت)، ودومة ود حامد).

 يرى الدكتور الحجاجي أن الطيّب صالح قد استخدم الأسطورة المعيشة في الواقع السوداني، وبنى عليها أعماله الروائية، ورسم من خلالها الأسطورة بكل أبعادها، فكان بجمعه لجزئيات الأسطورة الشعبية في وحدة متناسقة صانعًا لها. ويعدُّ هذا الكتاب محاولة جادة لدراسة الأسطورة في الأنواع الأدبية الشفاهية والمكتوبة. وقد صدر في طبعة ثانية عن المجلس الأعلى للثقافة، عام 2019م.

(السيرة الشعبية) كتابان، وهما:

10- (مولد البطل في السّيرة الشّعبية)، القاهرة، دار الهلال،1991م، يتناول حلقة من حلقات السّيرة، وهي مولد البطل كما قدَّمته السّيرة الشّعبية، للوصول إلى العناصر المكوّنة لنصوصها. وقد قسّم المؤلف الكتاب إلى سبع وحدات، وهي: مصادر البحث (دراسة للراوي والرواية)، والنبوءة، والبطل المصاحب، والنسب، والميلاد، والغربة والاغتراب، والاعتراف والتعرُّف. ويعدُّ مولد البطل في السيرة الشعبية تتويجًا للجهد الضخم الذي بذله الدكتور الحجاجي في دراسة علاقة الأدب الشفوي بالأدب المكتوب أيضا.

11- (النبوءة أو قدر البطل في السّيرة الشّعبية)، القاهرة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 1994م، يصوّر النبوءة كعنصر مهم من عناصر السّيرة تربط البطل في جميع مراحل حياته بالأسطورة برباط وثيق. وقد أخذ في هذا الكتاب النبوءة الخاصة بالميلاد المحددة لسيرة حياة البطل، وتناولها في علاقتها بالمكان والزمان، وحدَّد الكيفية التي يمكن أن تبلِّغ النبوءة عن طريقها، فتناول بالدراسة الرواية، والإلهام، والتنجيم، وقراءة الرّمل والكتب القديمة.

ثالثًا: المساقات التعليمية والأبحاث: منها كتاب (في قواعد اللغة العربية)، دار الإصلاح، الدَّمام، السعودية، 1980م. وأما أبحاثه فهي كثيرة، نذكر منها مثلًا: الأسطورة والشعر، دراسة في الأوليات (1984)، وقصة المثل في القرآن الكريم (1986)، والأسطورة والعلم، دراسة في قصة قنديل أم هاشم (1988)، والفيض والنضوب والإبحار في ذاكرة الشعر (1991)، وانسلاخ الشعر من الأسطورة (1994). وأحلام الطائر الجوال، وانسلاخ الشعر من الأسطورة (1994)، وثمة بحث قيِّم عن الكتاب المدرسي في المدارس العربية في بروناي/دار السَّلام، ألقاه في المؤتمر الدولي لتعليم اللغة العربية الذي عقده قسم اللغة العربية بالمعهد العالي للدراسات الإسلامية سنة 1994م. وغيرها. كما كتب العديد من المقالات في الصحف والمجلات، والدوريات، وكتب مقدِّمات لأعمال كثيرة.

       وقد كُلِّلت جهوده بجائزة الدولة التقديرية عام 2011م، ولا شك أنها تمثِّل قيمةً مهمةً في حياة أستاذنا واعترافًا بفضله، ولكن جائزته الأكبر هي محبة الناس له، وخلوده في وجدان طلابه وذاكرتهم، ودعواتهم الدائمة له بالخير والجزاء الحسن.

*فصلُ الخِطَاب*

"استخدم عرب الجاهلية لفظة الأساطير بمعنى الأباطيل، وهم يقصدون بها القصص التي لا يوثق في صحتها. وقد أكد القرآن الكريم المفهوم الجاهلي للفظة (أساطير) فذكرها تسع مرات حاملة لنفس هذا المعنى. وليس مفهوم اللفظة بهذه الصورة فريدا في اللغة العربية، ففي جميع اللغات ارتبطت لفظة أسطورة بما لا يصدق أو بما هو محض خيال. وهذا البحث لا يعنى بالأسطورة هذا المعنى وإنما يعني بالأسطورة "قصة سردية مرتبطة بالشعيرة" وأن هذه القصة لا ينفصل وجودها عن هذه الشعيرة؛ إذ الشعيرة هي التي تفرق بين الأسطورة وغيرها من ألوان القصص، وارتباطها بالشعيرة لا يجعلها -بالنسبة لمعتنقيها- مجرد قصة تقصُّ، وإنما هي حقيقة معاشة..."@د.أحمد شمس الدين الحجاجي (كتاب الأسطورة في المسرح المصري المعاصر 1933- 1970).


**تَحيَّة**

في سيرةِ الشيخِ أخبارٌ وأقدَارُ.. وفيهِ من عالمِ الأرواحِ أسرارُ

أسطورةٌ تَبعثُ التاريخَ أُغنيةً.. مَيدانُها (طيبةٌ) والأقصرُ الدَّارُ

هُناكَ يخرجُ (نورُ الدينِ) فارسُها.. لهُ على شَفةِ الأشعارِ تكرارُ

كانت بُطولاتُه زادًا وأمنيةً.. نَشيدُها في طموحِ الشَّعبِ إعصارُ

وهِمَّةُ المجدِ تُهدِي لِلفَتَى سُبلًا.. كالنُّورِ وهوَ على الأيامِ يختارُ..

*نُشِر المقال في العدد 47من جلة أقلام عربية سبتمبر 2020م، صفر 1442هـ
 على هذا الرابط: 

https://drive.google.com/file/d/1IOujlwwnPjWCQk7VJYYIpbEkwY_hiZek/view?usp=drivesdk 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماذا تعرف عن الحيمة الخارجية؟!

أعمال ومؤلفات الدكتور إبراهيم أبو طالب ودواوينه الشعرية [مرتبة زمنيا بحسب صدورها ( 1999- 2023م)]

24- الأستاذ الدكتور إبراهيم الصلوي (أستاذ اللغة اليمنية القديمة)