14- (دراسات لسانية بالمنهج التاريخي) كتابٌ يجمعُ عددًا من المقارباتِ العلمية للأستاذ الدكتور عباس علي السوسوة>

 

14- (دراسات لسانية بالمنهج التاريخي) كتابٌ يجمعُ عددًا من المقارباتِ العلمية للأستاذ الدكتور عباس علي السوسوة

#إشارات_أدبية

بقلم: د. #إبراهيم_أبوطالب

هذا الكتاب صادر عن دار الكتب العلمية ببيروت في أكتوبر عام 2014م للأستاذ الدكتور عباس علي السُّوسوة أستاذ علم اللغة بجامعتي تعز بالجمهورية اليمنية، والملك خالد بالمملكة العربية السعودية سابقًا، وعنوانه (دراسات لسانية بالمنهج التاريخي) يقع الكتاب في (192) صفحة من القطع الكبير.

فكرةُ الكتاب الرئيسة تقومُ على التاريخ للغة العربية في ظواهرها جميعًا، ومدى اقتراب الباحثين -أوروبيين كانوا أو عربًا- من هذا الهدف، ونقد أعمالهم وتنظيراتهم، ويشير المؤلفُ في مقدمة الكتاب تأكيدًا على ذلك بقوله: "أمةُ العرب أمةٌ مسكونةٌ بالتاريخ، وهي تعيشُه وتتنفَّسُه ولا تعيشُ حاضرَها، وإن عاشت في حاضرها فالأغلب أن يكون معجونًا بالماضي. تأمل كم من المؤتمرات تُعقدُ في مؤسساتنا الثقافية عن قضايا الماضي سياسيةً واقتصاديةً ودينيةً وأدبية...الخ! وتأمل كم ننبشُ في الماضي بحثًا عمَّا يفرقنا ويباعدنا ويعمق ما نظنُّه اختلافات جوهرية تساعدنا فيما نتوهَّم أنه يحققُ لنا انتصارًا. ومع ذلك لا نجد اهتمامًا بتاريخ اللغة العربية..".

ثم يؤكد حديثه عن المنهج التاريخي الذي لا يُعار اهتمامًا في دراسة لغتنا، "في حين نعجبُ أشدَّ الإعجاب بمن يفعل شيئًا من ذلك – يقصد في لغات أخرى-، ونظلُّ نكيلُ له آياتِ المدح، وننقل عنه أو نسرق منه، حتى لو كان في عملِه مآخذ، لا لشيء إلا أنه أشقر الشعر، أبيض البشرة، أزرق العينين".

ويبينُ أن التاريخ اللغوي يشمل شِقين:

أولًا: انتشار اللغة وانكماشها جغرافيا واستعمالا.

ثانيًا: التغيّر في الظواهر التي تشتمل عليها أنظمة اللغة؛ أصواتًا، وبناءَ كلماتٍ، وبناءَ جُمل، ودلالة.

 وبعد ذلك طبَّقَ الباحثُ المنهجَ التاريخي على ظواهر في الفصحى، وظواهر من المحكيَّات (اللهجات الدَّارجة)، وظواهر مشتركة بين الفصحى والمحكيَّات، وهذا ليس بجديدٍ على الباحث، إذ يكادُ يتميَّز عن اللسانيين المعاصرين بتطبيق هذا المنهج، كما هو واضح من كتبه الأربعة المؤلفة، وهي: (العربية الفصحى المعاصرة وأصولها التراثية، 2002م، دراسات في المحكيَّة اليمنية 2004م،- شرح المشعطَطَات السَّبع لضياء الدين بن جمال الذماري (وهذا الاسم الموارب كناية عن المؤلف نفسه عباس بن علي، والذماري؛ لأنه من ذمار نشأةً وحياةً)، (تحقيق) 2007م-، فقه اللغة والثقافة العربية 2009م، قَدْ اليمنية، دراسات في الأبنية والتراكيب والافتراض المعجمي 2012م. وغيرها من الكتب المفيدة النافعة.

يتكوَّن الكتابُ من خمسةِ أقسام، القسم الأول: سطوة الشُّهرة على آراء الباحثين المحدثين في اللسانيات العربية، ويبدو من العنوان أن لا علاقة له باللسانيات التاريخية، لكن العِبرة بالمحتوى، إذ يحلِّل مجموعةً من الآراء والمسلَّمات الشائعة بين الباحثين المحدثين عن العربية وأنظمتها، وقد اعتمدها باحثون منطلقًا لتفسير بعض التغيرات والظواهر في اللهجات العربية القديمة والحديثة وفي الفصحى. في حين أنها ليست مُسلَّمات.

والقسم الثاني: دراسة استكشافية لمكانة دراسة نحو العربية في القرن العشرين بمقابلته بأنواع الكتابات النحوية الأخرى.

أمَّا القسم الثالث: الدراسات اللسانية التاريخية، فيستعرض ثمانية أعمال

لمستشرقين، ولباحثين عرب أرَّخوا لبعض جوانب العربية، ويقرؤها الكاتبُ قراءةً نقديةً. وتلك الأبحاث هي على النحو الآتي: 

[1] «العربية»؛ دراسات في اللغة واللهجات والأساليب ليوهان فك.

[2] «اللغة العربية عبر القرون» لمحمود فهمي حجازي.

[3] «تاريخ اللغة العربية في مصر والمغرب الأدنى»؛ لأحمد مختار عمر.

[4] «العربية الفصحى المعاصرة»؛ دراسة في تطورها الدلالي من خلال شعر الأخطل الصغير؛ لأحمد محمد قدور.

[5] «العربية الفصحى المعاصرة وأصولها التراثية»؛ لعباس السوسوة.

[6] «العربية تطور وتاريخ، دراسة تاريخية في نشأة العربية والخط وانتشارهما»؛ لكريم زكي حسام الدين.

[7] «اللغة العربية»، تأليف كيس فرستيغ، ترجمة محمد الشرقاوي.

[8] «التعريب في القرن الأول الهجري»، تأليف محمد الشرقاوي.

بعدها يأتي القسمُ الرابع: الذي يؤرِّخ لظواهر مشتركة بين المحكيات (العامية) والفصحى، وفيه نجد أن ما عددناه في زمننا عاميًّا قد كان في أزمان مضت مستعملًا في الشعر الفصيح، وفي القراءات القرآنية، كاستعمال الموصول (الذي) للمفرد بنوعيه وللجمع، وكيف مر استعمال (اللي) بمراحل اللائي، اللاء، اللاي، اللي...

ومثل ذلك نطق الأعداد المركبة 11 - 19، وكذا استعمال (الأوَّلة) للمؤنث مقابل الأوَّل للمذكر.

ثم كان القسم الخامس: عن صعوبة نطق الهمزة وربطها بتحوّل القاف إلى همزة في بعض المحكيات. فلو كان هذا الزعم علميًّا حقيقيًّا وأن اللغات واللهجات تميل إلى التوفير في الجهد، فلماذا حدث التحول إلى الأصعب؟ وقد اجتهد الأستاذُ السوسوة في محاولة تحديد زمن تقريبي لحدوث هذا التحول اعتمادًا على كتب التاريخ والأدب.

ثم يأتي القسم السادس و(الأخير)، وفيه دراستان: الأولى– الأوَّلة كما أثبت الكتاب- تؤصل للمستهتر والاستهتار حديثًا وقديمًا من حيث البناء الصرفي والدلالات المتعاقبة عليهما. والثانية: تؤصِّل لحياة (النُّكتة) صيغةً، ودلالاتٍ كما تقلَّبت فيها منذ أقدم نصٍّ في العربية الفصحى المكتوبة إلى وقتنا هذا.

#يقول_عباس السُّوسوة: " [الأولة]: ليس هذا المقال في تأويل هذه الكلمة، ولا دعوة إلى استخدام (الأوَّلة) بدلًا من (الأولى) في العدد الترتيبي. إنما غَرَضه لساني تاريخي بحتٌ عن استخدام هذه الصيغة القياسية المهجورة في الكتابة العربية المعرَّبة بسرد الشواهد سردًا تتابعيًّا، ثم إيراد شواهد من الشعر الحُمَيني.نقول في الترتيب- بالفصحى وبالمحكيات- الثاني الثالث الرابع... وهلم جرا إلى العاشر. وبالمقابل إذا أردنا التأنيث قلنا: الثانية والثالثة والرابعة حتى العاشرة. فبالقياس أن (الأوَّلة) مؤنث الأوّل. ولكن جرت عادة العربية الفصحى المكتوبة على أن تكون (الأولى) فهي مطَّردةٌ في القياس شاذةٌ في الاستعمال الفصيح، بحسب تقسیم ابن جني للمطرد والشَّاذ. جاء في اللسان «وحكى ثعلب: هنّ الأوّلات دخولًا والآخرات خروجًا، واحدتها الأولة والآخرة، ثم قال: (ليس هذا أصل الباب. وإنما أصل الباب الأول والأولى، كالأطول والطولى). وذكر الزمخشري «أنها فصيحة جمَلٌ أوّلُ وناقةٌ أولة؛ إذا تقدما الإبل».. ومهما يكن الأمر فسنرى أن (الأولة)- على ندرة استعمالها- لم تختف من الاستعمال بعد عصر الاحتجاج باللغة. فنحن نجدها عند كاتب سيرة ابن طولون في القرن الثالث. "فنظر إلى الأوَّلة وقال: حَسنةٌ والله". ثم نجدها عند السيرافي (ت368هـ): "وأدغمنا فيه النون الأولة (...) وقد عطف الألف الأوَّلة".. ويمضي السوسوة في الاستدلال في الكتب عبرَ العصور حتى يصل إلى الشعر فيقول: "ثم نجدها في أشعار الخفنجي (ت1180ه):

أما القصيد الأولة فمنهم.. فلا تصدق ما عليك منهم

فشـــــــــــــــــــــــــرطها في الأولــة.. يأتي بتفـصيـــــــــل الجُمــــــــــــــل.

ونجدها في أشعار القارة (ت1293ه):

أوصيك بارع خصال.. إذا انت تفهم كلام

الأوَّلـــــــــة (قيل وقال).. لا تحتفــــــــــل به تلام..

ثم نجد حبشوش (ت1311ه): النبذة الأوَّلة. ونكتفي بهذا القدر من المتابعة. ومن الملاحظ أنَّ (الأوَّلة) في المحكيَّة اليمنية بجميع لهجاتها التي نعرف أشيعُ من (الأولى) التي لا يكاد يستخدمها إلا المثقفون".


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماذا تعرف عن الحيمة الخارجية؟!

كتاب (الإعلان بنعم الله الواهب الكريم المنان...) كتابٌ يمنيٌّ فريدٌ ومدهشٌ يضمُّ ستة كتب في الصفحة الواحدة

أعمال ومؤلفات الدكتور إبراهيم أبو طالب ودواوينه الشعرية [مرتبة زمنيا بحسب صدورها ( 1999- 2025م)]