7- أ.د/ علي جعفر العلَّاق (جلجامش.. الباحثُ عن وطنٍ لطيورِ الماء)

من هؤلاء تعلمت

*سيرة ذاتغيرية*



يروي شعر السَّياب بطريقةٍ فيها روح شاعر يُدرك معاني الكلمات وشفراتها، فيوصل إحساسها العالي إلى المتلقي بكل براعةٍ وتأثير، يقسِّم مدارس الشعر الحديث وفنونه وأنواعه فيعطي كلَّ فنٍّ منه أنموذجًا واضحًا من غرر الشعر العربي المعاصر وقلائده الثمينة الفريدة ومن أجمل نماذجه وأعلاها بما يحقق تميزًا في الاختيار وعمقًا في الرؤية والطرح بحرص شديد وخبرة واضحة تدلُّ على معايشة للنصوص المختارة ومعرفة بالأدب العربي الحديث ليس مجرد معرفة حفظ روتيني أو تعوِّدٍ تدريسي، ولكنه تمثُّل ونبض وتداخل في غواية الشعر وروايته في نصِّه ونبضه وجماله.

يقف الأستاذ أمام طلابه في القاعة (20) في كلية الآداب بجامعة صنعاء ليعطيهم دروسًا في مقرر الأدب الحديث فيدهشهم بسعة علمه ومعرفته وكثرة حفظه لشعر كبار الشعراء المعاصرين، وبخاصة أنه يحفظ عن ظهر قلب نماذج كثيرة من الشعر الحرِّ للسياب، والبياتي، وطوقان، وأدونيس، ونازك، والمقالح وحسب الشيخ جعفر، وأنسي الحاج، والفيتوري، وصلاح عبد الصبور وغيرهم.

 يقدِّم نماذج مختلفة للقصيدة المدورة، وقصيدة الومضة وقصيدة النثر، ويمضي بطلابه المتعطشين المنبهرين به، وبحدائق الشعر المتميز وظلاله البديعة وعوالمه الثرية، ولعلَّ أكثر ما كان يُدْهِشُ هو قدرته على حفظ الشعر الحر وقصيدة النثر –تحديدًا- على الرغم من أن كثيرًا ممن دَرَّسنا كان يلجأ إلى نصٍّ مكتوب، فيقرأه أما هذا الأستاذ فكان مختلفًا، كان يحفظها ويرويها بكلِّ مشاعره وبطريقة تكاد تلامس حرارة الشعر في عمق الكلمات وروح الشاعر نفسه الذي يتمثَّله هذا الأستاذ، ويروي شعره بكل تأثيرٍ وتأثّر، وبضوح عبارة وتمكُّن، يميِّزه صوت جهوري يخالط فيه التأمّل نبرات الصوت وحسن الأداء، ثم يعزِّزُ ذلك بوقفاتٍ نقدية عميقة.
 وهو يعرفُ ماذا يحتاج إليه طلابه وما الذي يريد إيصاله إليهم، وهم ما يزالون في بداية مسعاهم العلمي، ولكنه يلمح ويلاحظ فيهم رغبةً وتعطُّشًا لتخصصهم الذي اختاروه عن رغبة، ويلمح فيهم الحاجة لمعرفة المزيد من روائع الشعر المعاصر ومشاربه وفهم مغاليقه ومصطلحاته التي يحتاجونها، ويحتاجون فيها إلى مزيد توضيح وبيان وفهم لحدود المعنى ودلالات المصطلحات الكثيرة المتشابكة.
هكذا كان يعطينا الأستاذ الدكتور علي جعفر العلاق (أبو وصال) دروسًا ومحاضرات في الأدب الحديث شعره ونثره، تعلَّمنا منه في تلك الدروس جمال الشعر المعاصر ورموزه وعوالم الإبداع فيه ونماذجه، وطرائق الأعلام ومشاربهم وفنونهم.
حين كان يشرح "أنشودةَ المطر" للسَّياب كنَّا نَرى السَّياب حاضرًا بروحه ومعاناته ونبض العراق، كما كنَّا نسمع صرخته في الخليج :
 "يا خليج
يا واهب المحار والردى .. "
أكاد أسمع العراق يذْخرُ الرعودْ
ويخزن البروق في السّهول والجبالْ،
حتى إِذا ما فضَّ عنها ختمها الرّجالْ
لم تترك الرياح من ثمودْ
في الوادِ من أثرْ..."
وحين كان ينادي بقوله:
"وكلَّ عام – حين يعشب الثَّرى – نجوعْ
ما مرَّ عامٌ والعراق ليس فيه جوعْ..."
مطر ...
مطر ...
مطر ...

كنا نلمس ما وراء السُّطور في حديث أستاذنا عن هذه الأنشودة الخالدة التي صارتْ أنشودة كل عراقي، بل كلّ عربي بعد ذلك في مواجهة الحال المزري لصراع الإنسان العربي مع نفسه، ومع قوى الشرِّ وعوامل التخلُّف وهدم الحضارة.
 وحين كان يتحدَّث عن "جيكور" ونهرها الممتدِّ الذي كاد ينضب إنما كان يتحدَّث عن شريان الحياة الذي بدأ يجفُّ، وشرعَ الإنسانُ يغادر عالمه السحري وبراءته كآدم حين غادر جَنَّته ليشقى في بقاع الأرض ويقاسي آلام الغربة والتشرد والضياع حالمًا بعالمه الأول نادمًا على تفريطه فيه، ومتألمًا على حاله ومآله.
حين يتحدَّث أستاذُنا عن الشعراء الآخرين أمثال أنسي الحاج، وحسب الشيخ جعفر مبيّنًا عمقَ شعرهم ومعاناة إنسانيتهم التي كانت تنضح بها نصوصُهم وكلماتهم ومعانيهم المجنِّحة في عوالم الإبداع والألم معًا، وفي وصف الصورة الصادقة للواقع والمتخيل، للشعر والفن والحياة والمستقبل المتفلِّت كان ينضح هو أيضًا برؤاهم ويلامسُ جوهر سرِّهم في حديثه عن تلكم النماذج الإنسانية المحلِّقة.

وحين يحدِّثنا عن الرمز والأسطورة في الشعر الحديث عن "سيزيف" وصخرته كان يتمثَّل معاناة العراقي في جدله الأزلي مع الجهد وبذل القوة في التخلُّص من صخرة الألم في جدلية البقاء والفناء، الإنجاز والخيبة، الروح والجسد، عن صراع الرغبة في بناء حياة حقيقية تقوم على الكرامة، وحرية الإنسان، واختيار مصيره، ورفض ما دون ذلك من القهر والسُّقوط والدم والألم.
حين يتحدث عن "بروميثيوس" وأسطورته والنار التي هي روح المعرفة، روح البناء، روح المدنية، وكيف أنه دفع من أجلها ذلك الثمن الباهض متجسدًا في عقوبات متوالية وعذاب لا ينتهي كأنما كان يحدثنا عن روح شعبه الذي ظلَّ هو وأمثاله من مشاعل النور، ومن عقول المعرفة، وسُرَّاق النَّار المقدسة المنتجة يعانون التشرد والألم والغربة والاغتراب معًا، ثم ما لبثت أن لحقتْ بركبهم جموعٌ وجموع من أمثالهم من كل ركن عربي انتهت به الحياة البائسة والمعاناة إلى ذات المصير ونفس العقوبة وما تزال الحكايةُ مستمرةً، والألم يتنقَّل من منطقة إلى أخرى ومن جزء إلى آخر من جسد الوطن العربي المثخن بالضياع.
حين كان يحدثنا عن "محمد الماغوط" وعوالمه وصوره التي تنبض بالحزن وبالتشرُّد وبالحُرقة في قصائده النثرية التي كان الماغوط - وما يزال- يمثّل فيها الأنموذج الأرقى لقصيدة النثر العربية الناضجة، وكيف حَلَّتْ صورُها وتكثيفها ودهشتها وانزياحاتها وشعرية الصورة فيها محلَّ ما دونه من الاحتياج للوزن والإيقاع المألوفين، وكيف أن براعة الماغوط حين يصف نفسه وطرفا من سيرته بالصور المتتابعة المدهشة في بعض قصائده، وكيف كان أبوه قاسيا عليه فيقول:
 "كان أبي لا يحبني كثيراً، يضربني على قفاي كالجارية... ويشتمني في السوق".
كانت تدهش أعيننا المتطلعة تلك الصور الجديدة والمختلفة بما يمثِّل تجربةً ناضجة وبصمة إبداعية قلَّ نظيرها، كيف كان يشرح لنا عوالم الماغوط وتنبؤاته، فدفعنا إلى قراءة الماغوط والغوص في عوالمه، وكيف يأتي بعد عقودٍ من الزمن وحال سوريا وما تمرُّ به من ظروف سياسية كانت غير متوقعة ولم يخطر لذي بالٍ أن تصل إلى ما وصلت إليه من العناء والتشرد والبؤس، فعرفنا بعد عقود بأن الماغوط –والشاعر نبيٌّ في قومه- لم يكن سوى منذرٍ ولكلِّ شعبٍ هاد يعبِّر عن حياته ليس بما هو فيه في الأمس ولكن بما سيكون عليه في الغد وقد كان.

يا لهذا الشعر الذي ينبئ ويتنبّأ! ويا لأولئك الشعراء الذين يقولون ويكتبون كأنَّهم يكتبون بأقلام القُدرة والقدر، ويقرأون عوالم الغيب المجازي والحقيقي، ويرسلون رسائلهم التي قد لا تفهم اليومَ، ولكنَّها في الغد ستكون حقائق نابضة وشواهد شاخصة.
تعلمتُ من أستاذي العلاق -وهو الشاعر الكبير- أنَّ إيمانه برسالة الشِّعر وبروح البيان هو القوَّة التي لا تساويها قوَّة، إنه كيانٌ حقيقي لمن يحملها وكينونة وهُويّة لمن يخلصُ لها، فيشكِّلُ أمَّةً من النَّاس؛ وإن كان فردًا واحدًا.
تعلمتُ منه أن الشِّعر عشبةُ الخلود، وأنه حياة للشاعر ووطنٌ لا يستهان به، فإن غاب عن وطنه وحمل الشِّعر في رحاله وجعله زاده ورشاده حمله الشعر إلى وطنه، بل وحمل وطنه في شعره في كل مكان وعبر كلِّ زمان، فلا حاجة للقيد الفسيولوجي أو المكان البيولوجي حين يحضر الشعر، فإنه يكون قادرًا على العبور متخطيًا الحواجز عابرًا لكل فضاءٍ وزمان، إنه كينونة الحضور وكيان الحاضر.
تعلمتُ من أستاذي العلاق –كما تعلَّم غيري- المعنى الصَّادق لأن تكون أنتَ لا أحدًا سواك، أن تكون صوتك الذي لا يشبهه صوتٌ آخر، وليس بالضرورة أن تتشابه الأصوات، بل الضرورةُ الحقُّ أن تختلف أن تتباين، فيكون جمالها، ويظهر نقاؤها، ويتحقق كيانها في ذلك الاختلاف.
تعلمتُ منه كيف يكون الأستاذ قريبًا من أبنائه من طلابه من مريديه، ولكنه قربٌ شفافٌ متنامٍ يُرى على صفحاتِ الماء وهو بعيدُ –لا بُعْدَ تَكبُّرٍ وتعالٍ- ولكن بُعْدَ إلهام، وبُعدَ إثارة وتشويق للّحاق به للتحليق في سماواته لمجاراته هناك في عوالمه وفي منابع المعرفة وفضاءات الإبداع في محاورته في عوالم الصدق وإلهامات المعرفة ونارها في جهد "بروميثيوس" وشفرته.

غَادَرَنا الأستاذ العلاق من "صنعاء" بعد سنوات الدراسة الجامعية وما كنَّا –أنا وزملائي- قد شَبِعنا من عوالمه التي لا تُملُّ ومعرفته التي لا يحدُّها حدٌّ إلا الانفتاح على الجديد وفيه، غادرنا، فعاتبناه! كيف له أن يترك ملهمته الجميلة "صنعاء"، بغداده الجديدة الأخرى، وكيف له أن يستبدل هذه الروح العميقة العريقة بما دونها؟ لكنَّه وهو الصبور المهاجر الفاتح ردَّ مُعللًا أنه لم يرغب في ذلك لولا أنه كجده "ابن زريق البغدادي" قد نادته محطات الحياة إلى سفر جديد ما تزال تتقاذف بمركبه حينًا وحينا، وتارة وأخرى.
يَكفِيهِ مِن لَوعَةِ التَشتِيتِ أَنَّ لَهُ        مِنَ النَوى كُلَّ يَومٍ ما يُروعُهُ
ما آبَ مِن سَفَرٍ إِلّا وَأَزعَجَهُ            رَأيٌ إِلى سَفَرٍ بِالعَزمِ يَزمَعُهُ

وهو على طائرة سفره ذاتَ جمعة من "صنعاء" إلى محطته القادمة حرصتُ على أن يقرأ عبر صحيفة الثورة وبالتحديد ملحقها الثقافي آنذاك وفي نهاية التسعينيات وتحديدًا يوم 28/ 7 / 1997م قصيدتي التي أهديتها إليه وكانت من قلبٍ يقطرُ محبة ووفاءً من تلميذ لأستاذه، (وسأجعلها ختامًا لحديثي هذا).

تعلمتُ منه حرصَه الكبير على المتابعة والقراءة والاجتهاد في التأليف، وله الكثير من الكتابات الدقيقة والعميقة في نظرية التلقي وفي قراءات النصوص ومقارباتها، في التنظير والتطبيق على حدٍّ متقارب، وهو قرين العمل البحثي والكتابات المتجددة منذ بداية مشواره في تحرير مجلة الأقلام مرورًا بإنجازاته من الكتب المتنوعة ودواوينه الشعرية المتعددة والتي منها في الشعر:

لا شيء يحدث .. لا أحد يجيء، 1973
وطن لطيور الماء، 1975
شجر العائلة، 1979
فاكهة الماضي، 1985
أيام آدم، 1993
الأعمـال الشعـرية،بيروت، 1998
ممالك ضائعة، 1999
سـيـد الـوحشـتـين، 2006
هكـذا قـلـت للـريح، 2008
عشـبة الـوهـم: قصائد مختارة، 2010
وفي النقد:
مملكة الغجر،1981
دماء القصيدة الحديثة، 1988
في حداثة النص الشعري،1990
الشعـر والتـلـقي،2002
الـدلالـة  المـرئيـة، 2002
هـا هي الغـابـة  فـأين الأشـجـار؟ 2007،
قبيلـة من الأنهـار: الذات، الآخـر، النص، 2007
من نصّ الأسطورة الى أسطورة النصّ، 2010 وغيرها.

تعلمتُ من أستاذنا العلاق كيف يكون أداؤك العلمي والتَّدريسي حين تُحبُّ عملك وتتفانى في تخصُّصك وتقوّي نفسكَ في مجال إبداعك واهتمامك.
وتمر السنون وما بين عام (1997إلى 2009) اثنتي عشرة سنة تقريبًا التقيته في المؤتمر الدولي الأول للقصة العربية القصيرة بالقاهرة، لم يزده الزمنُ إلا وقارًا وإنتاجًا معرفيًّا وجلالا، حين سلمتُ عليه تذكَّرني جيدًا بروحه الودودة وحضوره المتميّز سائلاً عن أصدقائه في اليمن من الأساتذة والطلاب بكل حنين وشوق بدا واضحا في ملامحه وصوته، سألني عن أستاذنا الدكتور عبد العزيز المقالح، بوابة اليمن الكبرى ومدخلها للتواصل بيننا وبين المثقفين والأدباء والأكاديميين العرب.
وفي زيارتي الثانية للقاهرة عام 2015م لم أجد أستاذي العلاق في ضيوف الملتقى الدولي السادس للإبداع الروائي العربي لكنِّي وجدتُ أعماله الكاملة التي طبعها المجلس الأعلى للثقافة وكم أسعدتني تلك الأعمال، فحين رأيتها كأني صافحتُ من خلالها روحَه وعالمه الأبقى والأجمل.
تعلمتُ من أستاذي العلاق قيمةَ حبِّ الوطن وأنت بعيدٌ عنه –وقد صرتُ مثله بعيدًا- لكنه يعيش فيك ومعك وتعيش به ولأجله، ومن حبِّه والوفاء له أن تمثِّله أفضل تمثيل تحت أي سماء وفوق أي أرض لأنك رسوله وسفيره بضعته وقطعة من فلذاته المنتشرة في بقاع الأرض.
هكذا كان العلاق وهكذا هو العراقي الشامخ ابن الرافدين وسفيرها المعتزُّ بحضارته العربية العريقة وبأصوله الممتدة في عمق التاريخ وجذوره الضاربة في أطناب الحضارة، وفي مرابع اللغة وشفراتها، وفي ثنايا الحرف وسيميائياته، وفي تفاصيل الحياة واستمرارها.
سلامٌ عليك أيها الأستاذ الجليل والشاعر المبدع النبيل والناقد الحصيف والعراقي الأصيل.
سلام عليك أيها العَلِيّ! وعشتَ حيثُ حَللتَ أو ارتحلتَ رافعًا بالحرف هامة، وناشرًا للإبداع علامة، ودمتَ نبراسًا للبيان وجلال العربية التي لا ينضب مَعينها، ولا يجفُّ رحيقها وبريقها، ولك وافر المحبة وكثير الدعاء من محبٍّ لم ينسَ جمال حضورك وعبير نداك، وجلال صوتك وأثير صداك.  
تحية:  
هل وجدَ الْبَاحِثُ عَنْ "وَطَنٍ لِطِيوْرِ الماءِ"
وطناً لشواطئه الخضراء؟!
"عوليسُ" الرحلة ما زالتْ صَعْبَة
وطيورُ الغربةِ ماتتْ ظَمْأَى
سفنُ الأخطارِ بها تَنْأَى
والوطنُ القادمُ في كَفِّ سَرَاب
تستنشقه رئةٌ تنْزِفُ
حباً، شوقاً، وعناء
-2-
الرحلةُ في الشوطِ الأولِ
لكنْ لا تَرْحَلْ
لملمْ أوراقكَ
لملمْ أنفاسَك
لكنْ لا ترحلْ
كيفَ تغادرُ كُلَّ شَرَايِيْنِ الأذهان؟
أنتَ بكلِّ خباياها قبسٌ يتغلغل
فجَّرْتَ ينابيعَك فينا
وطناً، وزهوراً، وضياء
والآنَ
تعاودُ فَنَّ التجديفِ
وبأعماقِكَ آلافُ الأوتارِ المكسورة
حُزْنُكَ عَلَّمَنا الْحُزْنَ
علَّمنا كيفَ نداوي آهاتِ الْجَرْحَى
ونُضَمِّدُ فينا آلاماً مُمْتَدَّةْ
كيفَ نواسي الإنسان
-3-
أنشأتَ هُنَا وَطَنَاً
فأتتكَ طيورُ الماءِ الْعَطْشَى
تبحثُ عن رِيٍّ، عنْ عُشْبٍ أَبْيَض
رحلتُكَ الأخرى نَعْرِفُهَا
ستحيلُ الحقلَ الأسودَ
ينبوعاً أزلياً لعصافيرَ ستُوْلَدُ
من رحمِ الصَّحْرَاء

-4-
فوداعاً
يا من كنتَ قصيدةَ شعرٍ تَتَشَظَّى
نبضاتُكَ في صَنعاءَ تَرَاتِيْلُ وَفَاءْ
عَلَّكَ غَادَرْتَ نَوَافِذَهَا
                         لَكِنَّكَ فِيْنَا لَمْ تَرْحَلْ..

صنعاء في 28 /7/ 1997
==========

فصل الخطاب:
#علي_جعفر_العلاق
(وطنٌ لطيور الماء)
...
هذي الليلةَ
أفرشُ ثوبي، أتعاتبُ
والوطن الضَّيق
أدخل أيام الشعراء المكتئبين
ويدخل أيامي الشعراء
المكتئبون
ونخلط وحشتنا
تفصلني
عنك ثياب العتب الناحل
مثل الماء،
أيضير الوطن المتسامح
أن يلهو بين الفقراء؟
وطن الماء
أثرثر باسمك ساعة يندى
الليل الموحش
في الساحات
أثرثر باسمك
إذ تشجب حصران المقهى
يتسلق مصطبتي
البرد
وأحلم لو تأتيني، الليلة
أبيض كالنجمة
تخرج من كوخ أبيض
يقطر من قدميك الطين
نتعاتب
نشبك أيدينا
ونؤالف ما بين الأوطان المهمومة
شجر للأوراق المرّة، والأخطاء
قمرٌ ملتهبٌ، مهمومٌ، قرب الماء
قمصانٌ تفرش
مصطبة
تشحب في أيام البرد
وأنا، الليلة
كم يعجبني أن أتغنَّى
بمفاتن غير محرمة
وطيور
لم تهبط بعد
آه... لو يأتيني الليلة
أفرش ثوبي، نتعاتب
هل يأتي وطن دون ضجيج؟
دون شتائم
للأبناء المهمومين؟
- سأشهق حين يجئ
الليلة
أفتح قمصاني
للريح
وأهتف،منتشرا، كالماء:
- هذا الوطن الواسع جاء
أبيض كالفضة مبتلا
عذبا كطيور الفقراء
يحمل قمصانًا للجرحى، وأضابير
سيهبط منها المنفيون
الأطفال
الريح
الشعراء...
هذا الزمن الواسع جاء
أحلاما للمكتئبين، وأغصانا
لطيور الماء.
* نُشر المقال في العدد -26 من مجلة أقلام عربية، ديسمبر 2018م.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماذا تعرف عن الحيمة الخارجية؟!

أعمال ومؤلفات الدكتور إبراهيم أبو طالب ودواوينه الشعرية [مرتبة زمنيا بحسب صدورها ( 1999- 2023م)]

24- الأستاذ الدكتور إبراهيم الصلوي (أستاذ اللغة اليمنية القديمة)