19- الدكتور عبد الوهاب راوح (اللغوي ذو الوزارات والمهتم بالشباب وتنظيم البعثات)


#من_هؤلاء_تعلمتُ
*#سيرة_ذاتغيرية*
(الحلقة التاسعة عشرة، مجلة أقلام عربية، العدد (41)، مارس 2020م، رجب 1441هـ.)
الدكتور/ عبد الوهاب راوح
 (اللغويُّ ذو الوزارات.. والمهتمُ بالشَّبابِ وتنظيمِ البعثات)
************
عالمٌ وَقورٌ وأستاذٌ أكاديمي قديرٌ، تستطيعُ أن تَعدَّ كلامَه عَدًّا أو تكتب كلماته أثناء الشرح وتتابع حديثه دون أن يتعبك في سرعته أو يصيبك بالملل في تأخّره، كأنه في رزانته، وهو يحاضرُنا، قادمٌ من عالم اللغويين الكبار أمثال أبي عمر بن العلاء، وعنبسة الفيل، ويحيى بن يعمر، وعبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي وغيرهم، ولكنَّه بعد أن أخذَ عنهم رصانةَ اللغة وجودتها، وحرصَ المنهج ودقته قد مرَّ بعالم اللسانيات الحديثة "دي سوسير" وأخذَ عنه علمَ اللغةِ العام، فأتى يحدّثنا بصوته الهادئ ونبرته المميَّزة عن السِّياق (Context)، والأصوات (Phonetic)، والوحدات الصَّوتية الفونيم (Phoneme)، والمورفيم Morpheme))، والفروق بينهما، والمعاني الدلالية للألفاظ، (Semantics)، وغيرها من المصطلحات والمفاهيم اللسانية الحديثة.
ثم شَرعَ يحدثنا كيف عالجت اللسانيات اللغةَ ووصفتها في ذاتها ومن أجل ذاتها؟ وما طموح علم السيميولوجيا؟ أو علم اللسانيات الاجتماعية الذي أراد أن يكون لغة الحياة الاجتماعية القادمة، كما تنبَّأ بذلك "دي سوسير"، وما تزال محاضرات أستاذنا راوح المخطوطة التي منها مثلًا المحاضرة الخامسة والمؤرخة بيوم السبت 11/4/1992م بعنوان "السيميولوجيا/السيميوطيقا الحقل العلمي الذي تنتمي إليه الألسنية" ضمنَ أوراقي التي أعتزُّ بها وبالحفاظ عليها.
أتذكَّر ذلك الأستاذ الآن بعد مرور أكثر من ربع قرن، وهو جالس على الكرسي من أول المحاضرة حتى نهايتها يضع يده على خده أحيانًا، وهو يتأمل ما يقول، ويشرح درسه في وقار وعطاء، كان جادَّ الملامح، رزين السمت، تخالطُ وجهَه مسحةُ ابتسامةٍ خفيفةٍ هي إلى الجِدِّ أقرب منها إلى الضحك الذي لا أتذكر أنه ضحك يومًا أو تبسَّم بسمةً حقيقيةً في محاضرة إلا "إن كان قد تبسَّم ذات محاضرةٍ كنتُ فيها غائبًا؛ مع أني لم أغب يومًا" على حدِّ تعبير زميلي وصديقي الأستاذ علي القادري.
الحديثُ اليوم عن أستاذنا الوزير واللغوي النِّحرير الذي شغلتُه الوزارة عن الإشارة، وأخذته الإدارة عن العِبارة، وعن الدَّرس الأكاديمي الذي خُلِقَ له، وسُيِّرَ إليه بجدارة، ولكنّه –وهو المخلص- قد أخلص للعمل الإداري حتى أثَّر ذلك على العمل الأكاديمي والعطاء البحثي والكتابي، فيما يبدو.
إنَّه الأستاذ الدكتور عبد الوهاب راوح السياسي والأكاديمي اليمني المعروف، وابن قرية العدوف، مديرية صَبِر الموادم، محافظة تعز، والمولود فيها عام 1952م.
باحثٌ متخصِّصٌ في علوم اللغة العربية وبالتحديد في (اللسانيات الحديثة)، نال درجة الليسانس بامتياز من كلية الآداب- جامعة صنعاء عام 1977م، ثم عُيِّن مُعيدًا في الكلية نفسِها، قبل أن يوفد للدراسات العليا في جمهورية مصر العربية، فالتحق بكلية الآداب، جامعة عين شمس، ونال منها درجة الماجستير في الدراسات اللغوية عام 1981م، ثم الدكتوراه في اللسانيات عام 1986م. وشَغَلَ خلال عمله في جامعة صنعاء عدَّة مناصب أكاديمية، بدءًا بوكيل كلية الآداب، فوكيلًا لعمادة الدراسات العليا والبحث العلمي بالجامعة، فعميدًا لمركز اللغات، إلى أن رُقِّي إلى درجة أستاذ مشارك عام 1993م.
حين كانَ وكيلًا لكلية الآداب جامعة صنعاء في العام 1992م كان يُدرِّس لنا مقررَ (علم اللغة)، وكم استفدنا منه ومِن محاضراته التي كان يكتبُها بخطِّ يده، وما تزال محفوظةً بين أيدينا حتى اليوم كعلامةٍ مضيئةٍ في سيرةِ الأستاذِ الجامعي المهتم بما يقدِّم لطلابه، وبما يعطيهم من خلاصة علمه وفكره، لم يعتمد على تصوير المذكرات، ولم يحلنا إلى كتاب جاهز، بل كان يكتبُ المحاضرة بيده في صفحات تكون ما بين (3-5) صفحات تقريبًا، وبعد المحاضرة يضعها في مكان معلوم ومكتبة معلومة هي "مكتبة الشروق" خارج سور الجامعة في كلية الآداب جامعة صنعاء، فنذهب لتصويرها وقراءتها والاستفادة منها، وهكذا كانت عادته.
وكذلك كان أسلوبُه في مقرر آخر درسناه لديه هو (مصادر أدبية ولغوية)؛ حيث كان يتِّبع الطريقة نفسها على الرغم من وجود كُتبٍ مؤلَّفةٍ في هذا المجال من أشهرها كتاب د. عز الدين إسماعيل "المصادر الأدبية واللغوية في التراث العربي" الذي كان موجودًا ضمن الكتب المتوفرة وبأعداد كبيرة في مكتبة كلية الآداب والمكتبة المركزية -كما أتذكَّر- وغيره ممن كتب من الأساتذة الجامعيين عن تلك المصادر الأدبية واللغوية لكونها من المقررات الأساسية في جميع الجامعات العربية تقريبًا لكنه لم يحلنا إليها، بل كان يكتبُها بيده وما تزال محاضراته التي خطَّها عن تلك الكتب والمصادر والمراجع موجودة في مذكرة مصوَّرة.
 وكانت تلك المذكِّرة مقسَّمةً بحسب الموضوعات، ومنها مثلا: في المحاضرة الأولى حديثٌ عن (حركة التدوين في الحضارة العربية والإسلامية في فجرها الأول)، ثم يتحدَّث في محاضراته عن كتب اللغة مثل: "المخصص، والمحكم والمحيط الأعظم" لابن سيده الأندلسي، و"تهذيب اللغة" لأبي منصور الأزهري، و"تاج اللغة وصحاح العربية" لأبي نصر الجوهري، و"لسان العرب" لابن منظور، و"القاموس المحيط" للفيروز آبادي، وغيرها، فيحدِّد مناهج تلك الكتب، وتقسيماتها، ومكانتها، وتيسير البحث عن المواد اللغوية فيها، وهكذا يمضي في شرح كُبريات المصادر اللغوية، ثم ينتقل إلى الأدبية، ومنها مثلًا: "كتاب الذَّخيرة في محاسن أهل الجزيرة" لابن بسَّام، وغيره، ثم يتحدَّث عن  كتب التراجم والسِّير (طبقات فحول الشعراء) لابن سلام الجمحي مثلًا، وتأتي المحاضراتُ بعد ذلك عن المصادر الجغرافية وكتب الرحلات مبينًا العوامل التي دفعت العرب إلى التأملات والملاحظات الجغرافية، ويمضي في طرح أهمِّ الأُمَّاتِ من كتبها أمثال كتاب "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" للمقدسي، وغيرها، ولا تخلو تلك المحاضرات من الحديث عن (محاولة مجمع اللغة العربية بالقاهرة في تأليف معجمي قومي للغة العربية)، ويقول ضمن تلك المحاضرة "ولما يَئِس المجمع من إكمال مشروع (فيشر) أخذَ في تأليف معجم آخر أطلق عليه اسم (المعجم الكبير) الذي نشر منه عام 1956م جزأين في نحو (500) صفحة، ومن أهم ما جاء في هذا المعجم هو تصوّره الذي جاء مغايرًا تمامًا للتصوّر التقليدي حول (الضَّوابط) العامة التي تحكم سياسة هذا الفن...".
ولم تغفل تلك المحاضرات الحديث عن مدونات الحماسة كحماسة أبي تمام وحماسة ابن الشجري وغيرهما، وكذلك الحديث عن كتب الثقافة العامة كما سماها مثل: "البيان والتبيين، والحيوان" للجاحظ وغيرهما، وجميع تلك المحاضرات عن أمَّات المصادر اللغوية والأدبية والثقافية، قد جاءت ملخَّصةً ومعروضةً بمنهجية واضحة انتهجها أستاذُنا في التعريف بالكتاب وبكاتبه وبمكانتهما في عالم اللغة أو الأدب أو الثقافة، وبوصف منهجية الكاتب وطريقته، وبأهمية الكتاب وفائدته، وأثره بوصفه مصدرًا من المصادر الرئيسة في التراث العربي الكبير، وكأنَّه كان مشروعًا لكتاب بدأه أستاذنا بالمحاضرات لتنتهي به بعد التجويد والتمحيص والاختبار لدفعات من الطلاب المتعاقبة على دراسة المقرر إلى أن يصبحَ كتابًا مطبوعًا فيما بعد، مثله مثل محاضرات علم اللغة وملخصاتها المفيدة التي كان يكتبها بيده –كما أشرنا- لتكون ذات خلاصة مهمة تُقدَّم للطلاب بشكلٍ فيه روح المنهج وأسلوب الأستاذ وطريقته، وخبرته وخلاصات قراءاته ومعرفته، وبخاصّة أنَّه يتحدَّث عن علم اللغة الحديث والدراسات اللسانية وفقَ أحدث ما وصلت إليه، وفي وقتٍ مبكِّر نوعًا ما في جامعة صنعاء، ولكن يبدو أنَّ انشغالاته بعد ذلك واستغراقه في العمل الإداري والشأن الوزاري قد صَرَفَهُ عن استكمال مشاريعه التأليفية والبحثية.
كانت لأستاذنا طريقته الخاصَّة في المحاضرة وفي كتابتها، كما كانت له مهابته، وكان ذا "كاريزما" ملفتة في سَمتٍ وعِلمٍ، ورزانة وثبات، كما أنَّ له عباراته التي وقرت في القلب بعد أن أطلقها في كلمات موجزة سهلة، وكأنَّها أحكام نهائية دالَّة على خلاصة من القراءة، وعلى مستخلص من التدريس والبحث، أذكر من تلك العبارات على سبيل المثال قوله: "إنَّ الدرسَ النحوي والتأليف فيه كان مشروعًا أكملته مدرستا البصرة والكوفة، ثم ما تبعهما من مدارس أخرى بغدادية، ومصرية، وانتهت أندلسية بابن مالك صاحب الألفية كتتويج للمشروع، ثم ما جاء بعد ذلك كُلِّه كان صيانةً لذلك المشروع وتوصيفًا له، ودخل في ثنائية (المتن والشرح) التي ربما عَطَّلت الدرس النحوي لقرون طويلة، وما زالت".
ومن أقواله المنحوتة في العقل أيضًا قولُه في إحدى المحاضرات في علم اللغة، وهو يحدثنا عن جهود "دي سوسير".
 وعوالم اللغة الحديثة واللسانيات المعاصرة: "إنَّ الدرس الأكاديمي العربي اللغوي منه والنقدي اليوم يعيش على مائدتين مائدة التراث ومائدة الغرب، ولم يستطع أن يخرج بمائدته الخاصَّة والمعاصرة حتى الآن".
وغيرها من المقولات المركَّزة والخلاصات الدالَّة التي كانت تصادف من طلابه المتعطشين للعلم عقولًا صافيةً وقلوبًا خاليةً، فتتمكَّن منها، وترسم ملامحها، وتخطُّ قناعاتها بحكمةِ عارفٍ ورزانةِ عالمٍ.
شَغَلَ أستاذنا الدكتور عبد الوهاب راوح مناصب عدَّة، وكان ذلك بعد تخرُّجي في الجامعة بعام، وعمره في ذلك التاريخ (42) عامًا تقريبًا وهو في قمة العطاء الفكري والعلمي، وفي عمر الشباب الفتيِّ؛ حيثُ عُيِّن وزيرًا للشباب والرياضة في أكتوبر 1994م، واستمر فيها حتى 2001م، ثم عُيِّن وزيرًا للخدمة المدنية والتأمينات من عام 2001م حتى عام 2003م، ثم شَغَل منصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي من عام 2003 حتى عام 2006م. وفي ذلك العام عُيِّن رئيسًا لجامعة عدن، وفيه انتُخِبَ رئيسًا لنادي التِّلال في عدن، وهو أحد أشهر الأندية الرياضية في الجمهورية اليمنية، بل إنه النادي الأقدم تأسيسًا على مستوى الجزيرة والخليج، حيثُ كان تأسيسُه عام 1905م. وفي يوم 15 يونيو 2008 عُيِّن عضوًا في مجلس الشورى، واستمرَّ فيه إلى الآن.
أَخَذَتهُ تلك الوزارات وعوالم المناصب واستنفدت جهدَه ووقتَه؛ وذلك أمرٌ طبيعي؛ ولعلَّه ابتعد بسببها عن طلابه وعن قاعات الدرس وعوالم الكتاب كثيرًا، وفيما يبدو أنَّ مشاريعه البحثية وكتبه قد أُجِّلت إلى أجلٍ غير معلوم، وما كان أحوجَهُ إلى التأليف، وهو الأبقى، وكم كنَّا نتوقُ إلى أن نقرأ لأستاذنا صاحب العبارة المكثفة والفكرة الصافية والمنهج المنضبط كتبًا غير أبحاثه المفرقة هنا وهناك لغرض الترقية ونحوها.
ومن ذلك الابتعاد أنَّنا ما كنَّا نراه إلا لمامًا قد يحضرُ مناقشةً علميةً ما، يكون أحد أعضائها أو مشرفًا على طالب فيها أو طالبة، وما تكاد تنتهي تلك المناقشة أو الفعالية حتَّى يغادر المكان محفوفًا بالجنودِ من كلِّ مكان ومحاطًا بالسرعة، وكأنهم يختطفونه اختطافًا، فيغادر المكان سِراعًا. وحتى حين أصبحتُ أستاذًا في جامعة صنعاء لم أستطع أن ألتقي بأستاذي أو أسلِّم عليه إلا ذات مرةٍ وبالصدفة، وأنا في مكتب صديقي وزميل دُفعتي الدكتور حسين الزراعي الذي كان قد أصبح رئيسًا لقسم اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب التي تخرجنا فيها معًا؛ حينَ قَدِمَ أستاذُنا عبد الوهاب راوح لأمر ما يتعلَّق بتوقيع رسالة أو لشيء من هذا القبيل، فما كاد يسلِّم حتّى ودَّع، وربما أنَّه لم يتذكَّر أحدًا منا.
وهنا يمكنُ أن نشير إلى قضية مهمة في علاقة الأستاذ الجامعي بالقاعة وبالكتاب وبالعمل الإداري أو بالوزارات التي قد يُعيَّنُ فيها، وهي قضية على غاية من الخطورة والحساسية لا يكادُ يفلتُ منها أستاذ إلا من رحم ربك، وذلك أنها تأخذه من جامعته، وتبعده عن عالمه الخاص الذي من أجله دَرَسَ، وتخرَّج، وحقَّق ذاته بيده وبعقله وبفكره وبجهده، وبين القرار السياسي الذي يُعيِّنه بأمرٍ رئاسيٍّ أو ملكي أو نحوهما.
ولعلَّ من النماذجِ التي وجدتُها مختلفةً عن هذا السِّياق الغالب، والقاعدة العامَّة، واستطاعت الموازنة بين الأمرين– والشيء بالشيء يذكرُ- هو نموذج مصريّ حيويّ حَضرتُ إحدى مناقشاته للدكتوراه وأنا طالب في جامعة القاهرة، ذلك هو الأستاذ الدكتور "أحمد فتحي سرور" الذي شغل منصب رئيس مجلس الشعب المصري لمدة (21) عامًا، وفي تلك الجلسة العلمية أدهشتني قدرتُه على المناقشة بعلميِّة ومنهجية فاقت من هو متفرِّغٌ للجامعة فقط من لجنة التحكيم بجواره، كما أدهشني وهو يناقش موضوع تلك الرسالة التي كانت في عام 2008 عن موضوع الإرهاب أنَّ الباحثَ قد أشار إلى مرجع مُهم واعتمد عليه من تأليف الدكتور سرور نفسه بعنوان (المواجهة القانونية للإرهاب).
وهو صادر في العام نفسه 2008م نشرته مكتبة الإسكندرية، كما أن لديه أكثر من (18) كتابًا في تخصُّصه في القانون الجنائي منذ أن ناقش رسالته للدكتوراه في جامعة القاهرة عام 1959م، ولم يتوقَّف عن التأليف كما أنَّه لم يبتعد عن التدريس، ولم يترك محاضرته الأسبوعية في قاعة التدريس في الجامعة على الرغم من مناصبه المهمِّة، ومشاغله الجسيمة.
ولعلَّ في ذلك درسًا مهمًّا نتعلَّمه، وقد فَطِنَ له الرجل، وهو أنَّه ما ترك القاعة ولم يبتعد عن الطالب؛ ولذا استمرَّ في التأليف والتجدُّد والعطاء، وذلك لأنَّ رسالته هي فيما يجدُ نفسَه فيه، وقد بَذلَ في تلك الدرجة وفي الحصول عليها جهدَه، وحقَّق بها مكانته العلمية التي نالها بجهده وبعرق عقله، ولم تأتِ إليه بقرارٍ سياسيٍّ جاء ذات صباح، ويمكن أن يذهب أيضًا ذات مساء بقرار عزل. ومن هنا فهو حريصٌ –وأمثالُه- على القاعة والجدول والطالب لأنها الأبقى والأقرب إلى نفسه، ولأنه المنصب الذي لا يمكن لأحدٍ أن يعزله منه، كما لا يستطيع أحد مهما علا شأنُه أن يمنحه إياه إلا بحقِّه من البحث والكتابة والعلم الذي يأتي على جسرٍ من التَّعَبِ.
تعلَّمنا من أستاذنا الدكتور عبد الوهاب راوح أنَّ الوزير الأكاديمي تحديدًا يجب أن يترك شيئًا استراتيجيًّا ذا بالٍ يُحسبُ له، ويكون ضمن إنجازاته الفارقة والمتميزة، وقد فعل، لأنَّه بوعيه الفكري وبُعد نظره الأكاديمي والعلمي يدرك أهمِّيةَ وضع مثل تلك الآفاق والاستراتيجيات بعيدة المدى، ومن هنا يُحسب له خلال قيادته لوزارة الشباب والرياضة أنَّه أسَّس (صندوق رعاية النشء والشباب)، وهو الصندوق الذي قَدَّم الكثير من المشاريع الوطنية المهمة، ومن أبرزها جائزة رئيس الجمهورية للشباب التي اكتشفت المواهب، وكَشَفَت عن قدرات الشباب في عموم اليمن، وشجَّعتهم وكرَّمت إبداعاتهم، فأصبحوا أدباء اليوم وأديباته، ورموز الوطن من شباب الشعراء والقاصين والفنانين التشكيليين وغيرهم من أصحاب المواهب والإبداعات في المجالات المختلفة.
 كما يُحسب له أيضًا (تجويدُ نظامِ البعثات والمنح الدراسية) لخريجي الثانوية العامة، وفق المفاضلة على مستوى كلِّ محافظة، ومن هنا تساوى الطلابُ في إمكانية الابتعاث، ونالوا شيئًا من حقّهم في الحصول على البعثةِ بدون تمييزٍ أو إقصاءٍ لأحد، وذلك لأنَّ العلم ينتقي الأفضل، ويسعى إليه العُدولُ، وهذه رؤية أكاديميٍّ حصيفٍ، ووزيرٍ يتوخَّى العدل والإنصاف لجميع أبناء المحافظات اليمنية من موقع مسؤوليته.
شكرًا لكَ (أبا أيمن) أيُّها الأستاذ القدير والوزير الجدير ورئيس جامعة عدن على جهودك التي بذلتها في كلِّ المواقع الإدارية، وهي -إن شاء الله- في ميزان حسناتك وميدان أعمالك، وإن كنَّا نأمل الآنَ في أن تَفْرُغَ لكتاباتك العلمية، وتخرجَها بما يليقُ بك وبها، وبالدرس العلمي والأكاديمي، فاللهَ اللهَ! والبدارَ البدارَ! فما يزالُ في العمر بقية، وفي الوقت سَعَة، والله يرعاك!
*تحية*:
لِلعِلمِ نَبْضٌ وفي الأرواحِ أَرواحُ
تَعِيشُ فينا وصَوتُ الحُبِّ صَدَّاحُ
وَلا يَضِيعُ من المعروفِ أصغرُهُ
مهما اختفى فَلَهُ في الدَّهرِ شُرَّاحُ
هلْ تَذكُرونا كَذِكرَانا لَكُم أبدًا؟
فَرُبَّ ذِكرى هي القُربى لمن راحوا
إن خَيَّمَ الجهلُ أحيانًا ليتعبَنا
فإنَّه العِلمُ للأفراحِ مفتاحُ..
**فصلُ الخِطَابِ**:
" إنَّ الجامعات اليمنية اليومَ بخير، وفي عافية، وتعمل في محيطٍ من الحرية الأكاديمية والحرية الفكرية والحرية السياسية ما يجعلها تتعامل من موقع المسؤولية ومن موقع الوظيفة التي يجب أن تتمتَّع بها كجامعة، ليس هناك أي خروقات أو تدخلات في شؤون الجامعات وفي وظائفها وفي رسائلها، وإذا كان هناك بعض الجوانب المتعلقة بما هو مالي فذلك يعود الى أن الاعتماد العام للموازنات يأتي من الدولة، وحيثما كانت الدولة هي الممول الرئيسي لهذه الجامعات -كما أشرنا- بنسبة تصل إلى (98%) سيبقى تدخُّل الدولة قائمًا، غير أنَّ الدولة لا تتدخَّل على الاطلاق- وبمسؤولية علمية- فيما يخصُّ ما هو أكاديمي، وما له علاقة بالحرية الأكاديمية، ومن كان له رأي معارض لنا في هذا الحديث فنحن بانتظاره، أقول ذلك لأشير إلى حقيقة، وهي أن روح الجامعة لا يتمثل في المبنى والتجهيزات، فلدينا جامعات إقليمية تمتلك بُنى تحتية لا تتوفر لدى بعض الجامعات الأوروبية، غير أنها تفتقر إلى الروح الأكاديمية، وتفتقر إلى الرسالة العلمية الحرة. جامعة عدن كغيرها من الجامعات اليمنية تمتلك الحرية الكاملة في تعاملها مع رسالتها، ومع محيطها انطلاقًا مما توجبه عليها مسؤوليتها العلمية والأكاديمية" @ د. عبد الوهاب راوح، من حوار صحفي منشور في صحيفة (الأيام) بتاريخ: 23/ 8/ 2006م. 

* نُشر المقال في العدد -41 من مجلة أقلام عربية، مارس 2020م. رجب الفرد 1441هـ.
على الرابط الآتي:
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماذا تعرف عن الحيمة الخارجية؟!

أعمال ومؤلفات الدكتور إبراهيم أبو طالب ودواوينه الشعرية [مرتبة زمنيا بحسب صدورها ( 1999- 2023م)]

24- الأستاذ الدكتور إبراهيم الصلوي (أستاذ اللغة اليمنية القديمة)