سر نجاح الشعوب
سرُّ نجاحِ الشعوب!
د.إبراهيم أبو طالب
كلُّ
المجتمعات حين تسيرُ إلى النهوض، وتخرج من التخلف إنما تعتمد في ذلك التحول على
الإنسان هذا الكائن الجبار في وجوده، العظيم في إرادته إن تحركت صوب النهوض وسعت
نحو النجاح والتميز، وحيث إن الإنسان هو المسؤول عن عمارة الأرض، والمستخلف في
بنائها والعيش فيها، فإنه الذي يكون عليه المعوَّل والْمُعْتَمَد في رسم مساراتها
وتحديد معالمها، والإنسان طاقةٌ جبارة إذا ما استثمرَ، وإذا ما وُجِّهَتْ جهوده
وإرادته توجيهاً سليماً في أمن وسلام لا تشغله حرب ولا تلهيه سياسة سلبية.
ولا تعوقه عوائق يضعها –للأسف هو بنفسه لنفسه ولأبناء جنسه- كلّ مرة حتى أن المتأمل لتاريخ البشرية الممتدِّ لآلاف السنين سيجده مليء بالحروب والقتال والخلافات في حين أنه لم يعش منه في الدعة والسلم والبناء سوى بضع عشرات من السنين في مجموعه الكلي، وعلى الرغم من ذلك نجده قد عمَّر الدنيا بالبناء وملأ الكون بالاكتشافات والاختراعات وتوفير حاجاته الأساسية ابتداءً من احتياجاته الفسيولوجية بتنوعها وانتهاء بتحقيق الذات بحسب مثلث "ماسلو" الشهير، أو كما يسميه علماء النفس بهرم ماسلو للاحتياجات الإنسانية.
ولا تعوقه عوائق يضعها –للأسف هو بنفسه لنفسه ولأبناء جنسه- كلّ مرة حتى أن المتأمل لتاريخ البشرية الممتدِّ لآلاف السنين سيجده مليء بالحروب والقتال والخلافات في حين أنه لم يعش منه في الدعة والسلم والبناء سوى بضع عشرات من السنين في مجموعه الكلي، وعلى الرغم من ذلك نجده قد عمَّر الدنيا بالبناء وملأ الكون بالاكتشافات والاختراعات وتوفير حاجاته الأساسية ابتداءً من احتياجاته الفسيولوجية بتنوعها وانتهاء بتحقيق الذات بحسب مثلث "ماسلو" الشهير، أو كما يسميه علماء النفس بهرم ماسلو للاحتياجات الإنسانية.
فكيفَ
لو كان وقت الإنسان كله للبناء والحياة والسلام؟!
وحين نمضي لنسأل السؤال المهم، كيف استطاع
الإنسان فعل كل هذا رغم معيقاته التي يضعها بنفسه لنفسه، سنجد أن معظم نجاحه - وبخاصة
في عصورنا المتأخرة ابتداء بعصر التنوير فعصر العلم الحديث - كان بسبب واحد وهو
إرادته في التغيير وبناء الحياة والاستمتاع بها وفهم حقيقة وجوده فيها.
هذه الإرادة إذن هي سرُّ الإنسان وهي مصدر
قوته الذي استمدها من نفخة الروح الربانية فيه ﴿فَنَفَخْنَا فِيْهِ مِنْ رُوْحِنَا...﴾ (التحريم، آية 12)، وبها يستطيع الإنسان فعل كل شيء،
وتحقيق كل شيء، والوصول إلى أعلى مستويات النجاح والحياة حين يحدد هدفه ويرسمه
جيداً، ثم يمضي لتحقيق ذلك الهدف –صَغُرَ هدفه أم كَبر- فإنه إن سعى إليه وسَخَّرَ كل
إمكاناته الذهنية، والمعرفية، والحركية تحقق له ذلك الهدف دون شك وبلا مراء.
ومن
هنا يمكننا أن نفهم قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وأنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إلا مَا سَعَى﴾ (النجم، آية
39)، وبحسب البلاغيين وفهمهم للبيان نجد أن
هذه الجملة عميقة مليئة بالتوكيد، وأسلوب الحصر والقصر كأسلوب بلاغي مؤكد بأسلوب
الاستثناء أيضاً، وكل هذا يقول إن الإنسان هو خلاصة سعيه فالذي يريد أن يستمر إلى
غايات أبعد بالإرادة وبالسعي معاً يصل إلى مراده، والذي يتوقف بإرادته –أيضاً- ويحدد مسعاه عند نقطة محددة ينتهي تماماً عندها
ولا يتجاوزها أو يتعداها لأن طموحه ومسعاه انتهى عند تلك الغاية وذلك المقام
والنماذج من حولنا كثيرة وعديدة، وما علينا سوى إجالة النظر فيمن نعرف من البشر.
إذن فالإنسان هو منتهى التنمية وهو آلتها
وصانعها ومنفذها ومستثمرها في ذات الوقت، ولذلك كيف نبنيه؟! وكيف نجعله منتجاً
وفاعلاً ونموذجياً؟!
هذا هو سؤال الحضارات وهو محورها، وغاية
مسعاها ووجودها وقد فطنت إليه حضارات العالم منذ أقدم عصورها، ومَنْ أدركَ سرَّه
من تلك الحضارات هو الذي استثمر الإنسان، وسعى في تنميته، وبالإنسان حققت الحضارات
وجودها وحياتها، وليس ببعيد عنا استثمار أفلاطون وغيره من فلاسفة الحضارة
الإغريقية للإنسان ففي جمهورية أفلاطون نجد تقسيماتها تقوم على استثمار الإنسان
وطبقاته بحسب وعي ومهام تلك الطبقات وحضورها وغاياتها، وكذلك ما جاء بعدها من
الحضارات كان الإنسان هو محور اهتمامها ومرتكز غاياتها ومبتغاها، وفي النموذج
الإسلامي دليلٌ واضح حين صنع الإسلام حضارةً حقيقيةً شهد لها العالم وكان لنجمها
سطوعه وامتداده عبر قرون طويلة، وكان فيلسوفها العظيم ومنظرها الكبير رسول
الإنسانية محمد – صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- وكان قد بناها على
إرادة الإنسان وقوته، وكان رأس ماله فيها هو البشر من حوله، بمختلف أجناسهم الحبشي
–بلال- والرومي –صهيب-،
والفارسي –سلمان-، والعرب -حضريهم وبدويهم- فآخى بين الجميع من
أفراد مشروعه الكبير والإنساني بلا فرق ولا جنس ولا لون ولا عرق ولا طائفة، وجعل
نموذجه ذلك غاية وهدفاً وعلامة لمن يريد أن يستوضح سرَّ تلك الحضارة وديمومتها
بشعارها الخالد (إنما المؤمنون إخوة) فامتدَّتْ بداخلهم إرادة الأخوة وإنسانية
الإنسان فيهم، تلك الإنسانية المرتبطة بعقيدة حب الحياة، وتحضر الإنسان، وتأمل
الكون فتحوَّل بسرها البدوي الجلف الفارغ الجاهل إلى متمدّن رقيق مليء عالم
بالحياة وحبها وبالوجود وحقيقته، لأنه امتلأ إرادةً وعظمة وسموّا، فأصبح المسلمون
بسرِّ فلسفة نبيهم أمةَ حضارة ودعاة علم ومعرفة وقادة حضور ووجود كوني، وأشعت من داخل أنفسهم إراداتهم القوية المشرقة التي لم
يقف أمامها عَوَزُ الإمكانات أو طبيعة الصحراء القاحلة وجفافها عائقاً، بل تحولت – بالإنسان- إلى مروج وانتصار وتقدم ومثالية، والسبب هو قوة الإرادة واكتشاف الإنسان لمسعاه وغايته
وماذا يريد؟! إنه أصبح صاحبَ مشروع، ومحققَ حلمِ، له غاية من أجلها يعيش وإليها
يمضي، وبهذا لا نبتعد كثيراً عن تحقيق ما نريد اليوم إن سعينا إليه سعينا، ووحدنا
الغاية والهدف، إننا بحاجة إلى أن نعيش للحياة في عبورنا نهرَ الحياة والوجود الذي
لن نعبره مرتين، فلا نضيعه في التردد، ولا نستنفده في التيه والخمول والتبعية،
فبداخل كل واحد منا طاقة كبيرة جبارة مضيئة من الإرادة تستطيع أن تفعل ما نشاء وأن
تحقق أي نجاح نطمح إليه، فقط علينا السعي وعلينا أن نتذكر أن هذه القضية موجودة
وقد عَبَّر عنها تراثنا الشعري في كثير من نصوصه، وهي دليل خبرة وخلاصة تجربة حيث
قال الشاعر العربي:
على المرء أن يسعى إلى الخير جهده... وليس
عليه أن تتمَّ المقاصدُ
فلا ينتظر النتيجة قبل الجهد وبذل المقدمة
والسبب، ولا يتوخاها بقلق وترددٍ قبل الفعل والعمل، لأن ذلك من نكوص الهمم وضعف
الإرادات، ولكن عليه أن يستثمر حياته، وأن ينطلق في مسعاه، وأن يطلق سرَّه في نفسه
وفي الوجود من حوله، ذلك السر الذي يؤكد أنه قادرٌ مستطيع على إنجازه، وتحقيق ما
يريد وبقوة روحه وطاقتها، وبإرادته الجبارة يغدو قادراً على تحقيق ما هو مستحيل،
ونجدُ في قول إيليا أبو ماضي من الإيجاز في التوصيف وبلاغته، ومن جمال المعنى
ورقته ما يغني عن كثير من التفاصيل في تأمل أنواع النفوس، وتحديد الجاني منها حين
يقول:
أيّهذا
الشّاكي وما بك داءٌ كيف تغدو إذا غدوت
عليلا؟
إن
شرّ الجناةِ في الأرضِ نفس تتوقّى، قبل الرّحيل
، الرّحيلا
وترى
الشّوك في الورود ، وتعمى أن ترى فوقها النّدى
إكليلا
هو
عبءٌ على الحياةِ ثقيل من يظنُّ الحياةَ
عبئاً ثقيلا
والذي
نفسه بغير جمالٍ لا يرى في الوجود شيئاً جميلا
ويقول الشاعر الحكيم أبو الفتح البُسْتي (ت
400هـ) مؤكداً أن سرَّ النجاح في النفس وفي إرادتها الداخلية بعد إعدادها بالفضيلة
وتدعيمها بالثقة بالله الخالق الذي منه العون والسند فيقول:
اقبلْ
على النفس فاستكمل فضائلها
فأنتَ
بالنفس لا بالجسمِ إنسانُ
واشدُدْ
يديكَ بحبل الله معتصماً
فإنه
الركنُ إن خانتكَ أركانُ
ومن هذا المختتم نمضي للرهان على أن سرَّ
النجاح الذي علينا المضي في تجربته والقيام به هو في تنمية البشر التنمية التي
تبدأ من الداخل، ومن إدراك المرء لنفسه وإيمانه وثقته بقدراته، متخذاً سبيل العلم
والمعرفة رافداً ومعيناً له، لأنه من معززات سرِّ بقائه ومن مؤكدات استثمار ما
وصلت إليه الحضارات في مسيرها من المعارف والخبرات والبناء والعلوم، وعلى هذه
النفس التواقة المتطلعة للتقدم ولفهم سرِّ الحياة وحقيقة الوجود عليها عدم الضعف
أو الخنوع أو الاستسلام للمحبطات والمعوقات المعيقات من حولها مهما كبر شأنها أو
كثر لأن إرادة الإنسان هي الأكبر، وسرّ وجوده هو الأقوى، وغاية حضوره وتحقيق مراده
هو النجاح والراحة والحياة .
فلنبنِ الحياةَ، ولنكنْ رُسُلَ محبة، ودعاةَ
خير وسلام ، ولنبنِ أنفسنا من الداخل ونعززْها بالإرادة والقوة قبل أن نطلبها من
الآخرين لأن الحقيقة لن نجدها في الخارج، لأنها ببساطة شديدة كامنةٌ في الداخل.
*****
مجلة الجيش عدد يوليو 2013م.
تعليقات
إرسال تعليق