خواطر عن الصيام في اليمن




خواطر رمضانية ..
د.إبراهيم أبو طالب 
      لشهر رمضان المبارك في نفوس المؤمنين سحرٌ خاص ومذاقٌ مختلف تتغير فيه كل عاداتنا اليومية، حيث تمتلئ الحياة فيه بالكثير من الصفات والطباع المختلفة التي تقربنا إلى الله، فنستشعر حينئذٍ حلاوة القرآن، ومعنى الصيام، ولذة القيام، وخشوع التهجد لله في ليالي رمضان العذبة الجميلة النورانية.
   وفي كل عام يأتي رمضان وهو يحمل معه الكثير من بشائر الخير ونسمات الذكر وعطر الإيمان.

 فهو أفضل ضيف وأخفَّه، إنه الضيف القادم بهداياه السماوية، ونسائمه الأرضية يأتي برزق وفير لكل الناس ولسان حالهم المتفائل معه دائماً -وهو ما كاد يذهب بين الناس مثلاً شروداً في الهدى والخير، وحكمة مؤكدة- حين تسمعهم يقولون: "رمضان يأتي برزقه" هذا القول فيه الكثير من التفاؤل والكثير من الإيمان بأنَّ الرزّاق الكريم سيعزز أيام طاعاته التي أهمها وأعذبها رمضان بالرزق لأنه شهر الصدقات والزكوات والصلوات، وفيه تتجلى أركان الإسلام بإتقانها والإخلاص في أدائها، ولأنه صلةٌ بين العبد وخالقه حيث جعل مثوبته مباشرة بينه وبين الصُّوّام من عباده الطائعين لأمره حين قال ربنا – عزَّ وجل –  في الحديث القدسي: "...كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أَجْزي به" ما أعظمها من عطية وما أكرم الكريم حين يُعطي ويُجزي ويُجزل.
   ونحن في اليمن لنا طقوسنا الرمضانية في عموم مدننا وأريافنا حيث تختلف لياليه عن ليالي سائر العام، وكذا أيامه المليئة بالرأفة والدعة والمحبة بين الناس، ولكن قد يكون هناك بعض الممارسات التي سنشرحها شعراً بقصيدة "خواطر رمضانية" التي كتبتُها ذات عام واصفاً حال بعض اليمنيين في هذه الأيام بأسلوب ساخر بعض الشيء، وما السخرية إلا من بعض تلك الممارسات، والقصد هو التقويم في السلوك، وإثارة الوعي، وبث الفهم بين الناس لإدراك معنى الصوم وحكمته، وسر تشريعه، وأهميته، بأسلوب حميني شعبي ليقترب المعنى من جميع المتلقين، وممن سيطلع على هذه القصيدة التي قلتُ فيها واصفاً رمضان ومرحباً به:
أهلاً بشهرِ الصَّومْ شهرْ الغَنَايمْ

شهرْ التُّقى، والخيرْ، والمَواسمْ

لكْ في القلوبْ الحُبْ يا خيرْ قادمْ

وكُل مُسْلِمْ فيك غانمْ وسَالِمْ

***

هذه خَوَاطرْ واصفهْ عجيبةْ

عن الصِّيامْ في أرضنا الحبيبةْ

ما احلىْ جمالهْ في النفوس وطِيْبِهْ

أَعَادَهُ اللهْ بالنَّعِيمْ دَايمْ

***

لو تُبْـصِرْ الصُّوَّامْ في الجَوَامِعْ

حِلَقْ حِلَقْ يترقَّبُوا المَدَافِعْ

هو غَرْ يَأذِّنْ جَاكْ والمَلاجعْ

لو ما يِطِيرْ الصُّوفْ مِنْ كُلّْ صَايمْ

***

قَبلْ الأذانْ تِلقَى الشُّفُوتْ يُورِدْ

والحامضهْ في صَوْحْ كُلّ مسجدْ

ومن بَدَا قالوا له: اوردْ، اوردْ

يفرِّقوا ما ادَّى منْ اللوازمْ([1])
 
***

وكلِّ واحدْ قدْ حَمَلْ بِصَحْنِهْ

والبعضْ قُوَّارةْ لحوحْ وجِفْنِهْ

والبعضْ يُخْوَرْ حَبْحَبِيْ وجُبْنِهْ

يتوافدوا منْ كُلْ رُكْنْ قايمْ([2])

***

بعد الفطورْ كَوْدَينْ نِقْبَعْ الفَرَضْ

ونذرعْ الشارعْ بالطُّولْ والعرضْ

وكُلّْ مَنْ نلْقَاه نِبْذِلّْ لَه العرضْ

اتفضَّلوا!... طِقْطَاقْ، والكُلّْ فَاهِمْ ([3])
***

ونُوصَلْ البيتْ نفتحْ المَوايدْ

محـشِّرينْ الكَفّْ والسَّواعدْ

على عَشَا ممزوجْ بالفوايدْ

فطورْ مَسْبُوكْ يِشْبِهْ الوَلايمْ

***

نبدعْ بِقُشْمِي زِيْنَةْ الموايدْ

هو المُقدَّمْ في الأُكالْ رايدْ

لكنْ فِعَالِهْ بَعدْ لِجْع واحدْ

يِقْبِلْ بِحِمْلِه بِالعُطُورْ قادمْ

***

واصنافْ واشكالْ مِنْ طَبِيخْ حَالي

أمَّا اللحومْ عفوًا فالسِّعرْ غَالي

والحِلبةْ اصلْ الأَكْل في المَقَالي

نِعِيْمَها في كُلّْ بَيتْ دايمْ

***

بعد العشاءْ تِبْدِيْ لنا اللَّطايفْ

"قَدِيدْ"، "رَوَّاني" مع "القَطَايفْ"([4])

والكلّْ عالمْ حُسْنَها وعَارِفْ

ما مِثْلَها حَلْوَى عِنْدَ العوالمْ

***

بعد العُبِيْ كُلاً فَلَتْ .. وسَيَّخْ

البعضْ  نَعَّسْ، والكثيرْ فَيَّخْ

تقولْ له: اجلسْ. قال: انا مدوِّخْ

مَشْبُوجْ.. معاكمْ ليْ شرابْ هاضمْ ؟([5])

***

وبعد ذا يبحثْ عَنْ المداكي

تلقاه فارحْ بالقطلْ، وشَاكي

ما يِشْتحِطْ إِلاّ إِنْ كَانْ دَاكِي

يِهرُبْ مِنْ البخَّارْ بِغَيرْ رَازِمْ([6])

***

شهر الصيامْ - يا ناسْ- كُلّه فوايدْ

لكنْ أسفْ الهَمّ في الموايدْ

موسمْ لأصنافْ الطعامْ زايدْ

البعضْ عن جَهلْ، والكثيرْ فاهمْ

***

والبعضْ  غابتْ عَنْهْ حكمةْ الصَّومْ

الليلْ سَمْرَهْ، والنهارْ في النَّومْ

مَا هَكذا نقـضي الصِّيامْ !! يا قومْ؟

وتفُوتَنَا الأرباحْ والغنايمْ!

***

وبهْ مِن الناسْ  من يُصُومْ غَارِقْ

من عَـصرْ مِفْتِنْ للنُّخَر ونَازِقْ

إذا سِمعْ كلمةْ حَمَلْ يِخانقْ

كَودْ الفَرَاعَةْ يِجْمَعُوا اللَّوازِمْ

***

الصَّومْ تهذيبْ للنفوسْ والابدانْ

يعلِّمْ الواحدْ يصيرْ إنسانْ

يحسّْ  بالجوعْ يدفعهْ للاحسانْ

ويحبْ كلَّ الناسْ جاهلْ وعالمْ

***

ونسألْ اللهْ أنْ يتمْ بالخيرْ

لشعبنا المسلمْ، ويكشفْ الضَّيرْ

ويكونْ معه نِعْمَ المعينْ في السَّيرْ

ويحرسهْ في البحرْ والتهايمْ

***

والختمْ صلَّى اللهْ على مُحَمّدْ

عَدَّ الخلايقْ في الحياةْ وَازْيَدْ

والآلْ، والصَّحبْ الكرامْ بالعَدْ

هُمْ خَيرْ مَنْ زَكَّى، وخيرْ صايمْ

***


كل رمضان والجميعُ إلى الله أقرب، وعلى طاعته ألزم وأدوم، وأعادكم الله إلى أمثاله أعواماً عديدة.
                                       وكل عام وأنتم بخير ....

([1]) الشفوت: أكلة يمنية من اللبن الرايب ورقائق الذرة( اللحوح)، الحامضة: أكلة من الحلبة والخل المخفف بالماء، اللوازم: ما جاء به من المأكولات.
([2]) قوارة: قطعة من القماش لحفظ الخبز واللحوح، يخور: يشتهي، حبحبي: بطيخة.
([3]) كودين نقبع الفرض: أي نؤدي الصلاة بسرعة لنذهب إلى الطعام، طقطاق: أي: دعوة غير جادّة.
([4]) القديد: شراب المشمش، الرواني والقطايف: حلويات صنعانية معروفة.
([5]) العُبي: الأكل بتهور، سيّخ؛ وفيّخ: أصيب بالدوخة والدوار والإرهاق، مشبوج: منتفخ البطن بسبب كثرة الأكل.
([6]) المداكي: المتكآت في مجالس القات، القطل: القات، البِخَّار: حرارة الأطراف، رازم: كابوس.

نشرت في مجلة الجيش عدد شهر رمضان 1434هـ الموافق أغسطس 2013م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماذا تعرف عن الحيمة الخارجية؟!

كتاب (الإعلان بنعم الله الواهب الكريم المنان...) كتابٌ يمنيٌّ فريدٌ ومدهشٌ يضمُّ ستة كتب في الصفحة الواحدة

24- الأستاذ الدكتور إبراهيم الصلوي (أستاذ اللغة اليمنية القديمة)