حوار لي مع صحيفة الخليج الإماراتية





تحية طيبة أرسل إليكم هذه الأسئلة  في انتظار الإجابة عنها قبل يوم الثلاثاء إن أمكن كما أرجو منكم إرسال صورة شخصية لكم مع السيرة الإبداعية بكل احترام...
 أخوكم/ إبراهيم اليوسف، جريدة الخليج - الإمارات

الإجابة من د. إبراهيم أبو طالب شاعر وأكاديمي من اليمن.
-  كنتم أحد المشاركين في ملتقى الإمارات للإبداع الخليجي في"دورة الشعر" ما الانطباعات التي خرجتم بها، خلال مشاركتكم هذه، مع عدد كبير من المبدعين و الأدباء والنقاد والباحثين الذين ساهموا معكم في محاور هذا الملتقى؟
·  إن المشاركة كانت ناجحة في الاطلاع على تجارب عديدة من أدباء الخليج العربي واليمن والعراق والجزائر في الأصوات الشعرية الأحدث، حيث تعرفنا على شخصياتهم ودواوينهم وكانت فرصة اللقاء على المستوى الشخصي مفيدة جداً في قراءة الناس بهمومهم العربية والإنسانية المشتركة وبأحلامهم وطموحاتهم ورؤاهم الفكرية، وتوجهاتهم الإبداعية، كما أن النقاد أيضاً كان اللقاء بهم لقاءً بمدارس مختلفة في الفلسفات والقراءات والمرجعيات الذهنية والتجارب النقدية، ولكل باحث جهوده ودراساته وعطاءاته المثمرة حيث تعرفنا على الباحث والناقد د.ثابت طارق من الجزائر، والناقد الأكاديمي د. سالم خداده من الكويت، والناقدة د. ميساء الخواجا من السعودية، ، والناقد د. حمود الدغيشي من سلطنة عمان، ود.حسن مجاد من العراق، والكاتب الناقد جعفر حسن من البحرين، والكاتب الإعلامي صالح غريب من قطر، وغيرهم.
-كيف تنظرون إلى المشهد الشعري الخليجي-بشكل عام- والإماراتي منه على وجه خاص؟
·  يشهد الخليج نهضة واضحة في المشهد الشعري محاولا أن يكون مركزاً للشعر العربي لا هامشاً له، كما عاشه الشعر لردح في مراكز محددة في الخارطة العربية لم تتجاوز العراق ومصر وبلاد الشام واليمن، وغيرها حين كانت المطبعة محصورة في تلك الأماكن، والنشر محتكر، ولكن الجهود في الصناعة الثقافية الواضحة الآن تسعى فيها دول الخليج إلى تكريس الشعر في نتاجه وتسويقه، عبر أكثر من وسيلة وبالأخص الوسيلة الإعلامية من خلال برامج تلفزيونية ومسابقاتية تتمثل ببرنامج أمير الشعراء وشاعر المليون، وغيرها، ويتمثل المشهد الشعري المكتوب في كثرة الإصدارات للشعراء في عموم دول الخليج بطباعات فاخرة من حيث الشكل وفيها الكثير من المضامين الجيدة والجديدة المعاصرة في لغة شعرية تبحث في معظمها عن التميز وامتلاك الصوت الشعري الخاص، وبخاصة في تجارب الشعراء المتمكنين من دول الخليج، وأما في الإمارات فالواضح أن ثمة جيل يضيف إلى تجارب الرواد أعمالا ذات نكهة خاصة تتمثل في تجارب شابة وواعدة كما نراها عند خلود المعلا وسعد جمعة، وخالد البدور، وأحمد منصور، وإبراهيم الملا، وخالد الراشد، ومحمد المزروعي، وعائشة البوسميط، وهاشم المعلم، وعادل خزام، ومن الجيل الأحدث، تأتي شيخة المطيري، وسعيد القبيسي، والقائمة تطول وكل هذا الزخم في الأسماء يدلُّ على اتساع المدونة الشعرية بما يوحي بزخم في التجارب وحضور للشعر بغوايته في المشهد الثقافي بوجه خاص.
- ثمة من يرى أن النقد الأدبي عموماً بات يشهد تراجعاً غير مسبوق، منذ مطلع العقد الماضي من الألفية الجديدة وحتى الآن، كيف تنظرون إلى الأمر؟
·  لا شك أن الحركة النقدية تأخذ وقتاً في تأملاتها للظواهر الإبداعية قبل أن تتبلور في حركة نقدية ما، وبالتأكيد فإن النقد العربي الحديث يتبع فلسفات غربية ونظريات عالمية تملك مرجعياتها الخاصة وبيئتها المختلفة وظروفها المنتجة فاستقدامها واستنباتها في فلسفة أخرى أمرٌ غير مجدٍ تماماً، فأضحى النقد يأخذ طابعاً تلفيقياً أحيانا كثيرة ومن هنا لم يكن مفيداً كثيرا وبالتالي نجد أن النقد العربي لم يمتلك نظريته الخاصة منذ القرن الرابع أو الخامس الهجريين وما جاء من بعدهما لم يكن سوى محاولات فردية هنا وهناك لا ترقى إلى مستوى الظاهرة تقوم على المجهود الذاتي الذي قد لا يتجاوز النقل والترجمة كاللانسونية ومن بعدها محاولات البنيوية ومن بعدها التفكيكية ، والسيميولوجية وغيرها المأخوذة عن ترجمات غربية، وبالتالي لم تتحقق المناهج بشكل طبيعي وتطبيقي لاختلاط تلك المناهج في ذهن النقاد ودارسي الأدب العربي بسبب اضطراب المصطلح من ناحية واضطراب مدارس النقل والترجمات من ناحية أخرى وهكذا أصبح المنهج التكاملي أو بقول أدق التلفيقي هو الغالب على معظم الحركة النقدية العربية، خلا بعض المحاولات الجادة والقليلة التي ظهرت هنا أو هناك.
-ماذا عن حركة نقد الشعر الحديث -عربياً-منذ محاولات جيل الرواد، وحتى الإنجازات الجديدة التي باتت تستفيد من المدارس النقدية العالمية الجديدة؟
·  كما قلت في جواب السؤال السابق أنها محاولات لم تمتلك خصوصيتها لتضارب فلسفاتها المرجعية وبيئتها المنتجة.
-هل صحيح أن التمادي في الاستعانة بمنجزات النقد الأدبي العالمي، يتنافر مع خصوصية الأدب العربي؟
·      صحيح إلى حدٍ كبير.
-هناك أصوات كثيرة باتت ترى أن الشعر بات يفتقد مكانته، وبدا غير فاعل، بل إننا لم نعد نجد إبداعات فريدة، كما نتفاجأ -في ما قبل-بنصوص إبداعية استثنائية، على غرار ما كان يقدمه أمثال محمود درويش سليم بركات وغيرهما الكثيرون؟
·  الشعر معطى جمالي لا ينضب ولا يتلاشى ولا ينفد ولكنه يولد مع الموهبة العظيمة ويكون فارقاً في ظروف إنسانية واجتماعية مختلفة وفارقة في حياة الشعوب ومصائرها وظروفها، وإن كانت فنون أخرى تتسيد أحيانا بسبب الترويج الإعلامي أو الميديا الحديثة الموظفة للرواية أو الحاجة الطباعية المجسدة للقصة القصيرة وغيرها ولكن الشعر يظل صوت الإنسانية الأنقى وخطاب الجماهيرية الأوسع، وصوت التفرد الذي يدخل في كل مفاصل العمومية من الحياة، ولكلّ عصرٍ شاعره الكبير ومبدعه الأعظم ولكن لا بدَّ أن تفرزه حاجة فكرية وجمالية واجتماعية خاصة يملك قضيتها ويعبر عن ذاتيتها.
-كيف تنظرون إلى ثنائية العلاقة بين الغموض والوضوح في الشعر؟
·  لا شك أن الغموض مطلوب إلى حدٍّ ما لا يتجاوزه إلى الإبهام أو الإلغاز وإلا فقدت اللعبة الجمالية الاستكشافية روحها وحقيقتها في مجال قراءة النص الشعري وتأويليته بما ينتج نصاً موازيا وقراءة مماثلة تثري النص المبدع وتحاوره،  لأنه لا بدّ لكل نص جميل من قدر من المراوغة المحببة التي تستثير القارئ في استنطاقه ومغازلة خباياه وممكناته ومن هنا يكون غلاف من شفافية الغموض مطلوبا ومرغوبا أكثر من الوضوح والمباشرة التي لا تنتج دلالة ولا تستثير جهداً تأويلياً.
-إلى أي حد يمكن تقبل الرمز والأسطورة والميثولوجيا عموماً في الشعر الجديد؟
·  هي آفاق يستفيد منها الشعر في مدِّ دلالته وظلال إيحائيته لأن الشعرية في جوهرها إيحائية كنائية أكثر منها تقريرية، ومن هنا فإن في الرمز والأسطورة أبعاد غنية في المعاني والدلالات يمكن توظيفها واستغلالها بحرص ومقدرة في بناء النص الشعري الجديد حتى لا تتحول إلى ثقل يعيق ويغدو حشواً واضحاً.
-ثمة من يرى أن قصيدة التفعيلة حققت إنجازها الأكثر أهمية بعد تفاعلها واستفادتها من قصيدة النثر؟
·  لا شك أن التنويعات داخل الجنس الأدبي الواحد تفيد بعضها وتفتح فرصة التجدد والأخذ بالإمكانات المعرفية والتشكيلية الأكثر تحديثاً وكأنها تعيد ترتيب ذاتها من جديد مع كلِّ صورة مختلفة تفتح على آفاق استنساخ المعنى واحتمالياته الواسعة ومن هنا فإن التفعيلة قد استفادت من قصيدة النثر كما استفادت من كلّ الأنواع الأدبية الأخرى من قبل، لأنها الأكثر خبرة والأطول عمرا حتى الآن في مسيرة الشعر بعد قصيدة العمود.
- ماذا عن قصيدة العمود؟، وهل لما تزل تجد إمكان تحقيق حضورها بالشكل اللائق بتاريخها الإبداعي؟
·  قصيدة العمود المتجددة والتي تحمّل بمضامين ورؤى غير تقليدية ما تزال قادرة على الإدهاش والمنافسة والحضور بقوة لما تمتلكه من تاريخ طويل وجمهور مجبول عليها في أعماقه الغنائية وتستطيع أن تمضي بثبات في التحليق بالجديد كما في تجربة الشاعر اليمني الكبير عبد الله البردوني الذي التزم بالعمود وجدد فيه لغة في منتهى الحداثة الشعرية والمغامرة التجريبية فلم تخذله يوماً ولم تقصر به وبموهبته وبآفاق تجربته، وهكذا تظل بجوار غيرها من الأشكال، مدار الجميع هو الشعر الحقيقي والقدرة على الإدهاش في استعمال اللغة واستغلال جمالياتها.
-كيف تنظرون إلى واقع قصيدة  النثر عربياً؟ وعالمياً؟.
·  قصيدة النثر من أحدث أجيال الشعر تمضي بخطى وئيدة ولكنها ثابتة إلى حدٍّ ما، وتحتاج إلى مواهب حقيقية وقدرات عالية لكتابتها لا أن يركن أصحابها إلى الحرية المطلقة في بنائها دون قيود من أي نوع فيدَّعونها، ويركبها كل شويعر أو متشاعر، ولكنها قد تفتقد جوهر الشعر إن لم تظفر بالعناية والموهبة الحقيقيتين، وفي الواقع إنها لا تعترف بالموهبة الوسط، ولا يمكن أن تكون فيها قصيدة وسط أو نص نص إما أن تكون قصيدة نثر رائعة ومدهشة وإما لا تكون. ولذا فإن تجاربها مازالت مخاضاً في أحسن أحوالها ولمّا تتجلى فيها الموهبة العملاقة التي تحقق ذاتها وحضورها كما حدث لقصيدة العمود والتفعيلة، ولعلّ القادم ينبئ بتلك الموهبة أو المواهب التي ما تزال في تشكلها.
-يرى بعضهم أن الشعرية الجديدة اشتغال على اللغة فحسب، بم تعلقون على مثل هذا الرأي؟
·  هذا صحيح إلى حد كبير، وإن كان العمل الإبداعي في جوهره اشتغال على اللغة، ولكن أن يتحول كلّ اهتمام الشاعر وجهده إلى ذلك الاشتغال يعود بنا -ولو بشكل مختلف- إلى عصور انحطاط الشعرية العربية وزخرفتها وتنميقها، ومن هنا لابد من الموضوع الذي يكون أصل بنية الشعرية، يتعانق معها ويتضافر فيها الاشتغال اللغوي كمظهر وتمكن وتجسد للشعرية الجديدة.
-هل صحيح أننا نعيش عصر أجناس أدبية إبداعية أخرى غير الشعر؟
·  صحيح نعيش تلك الأجناس، كالرواية والمسرحية والقصة، وغيرها، ولكن لا تلغي بعضها بعضا ولا تصادرها ولا تمحو أثرها في النفوس وحاجاتنا إليها كما أن السوق التجارية لا تلغي فيها سلعة السلعة الأخرى، ولكلٍّ جمهوره ومشتروه، وفي التنوع حياةٌ وحضور وجمال، ويظل الشعر بمكانته وتمكنه في النفس البشرية هو الفن الأول والأقرب إلى النفس في فطريتها وفي تطورها وفي طموحاتها أيضاً حتى وإن كانت تسعى في عصرنا الراهن إلى الرقمية والروح العلمية يظل الشعرُ غذاءَ الروح والنفس.
-إلام تعزو انحسار قراءة الشعر؟
·  ربما يكون إلى ازدحام وقت الإنسان المعاصر بالصورة – في عصر الصورة- وميله إلى الميديا الحديثة بكل تنوعاتها وإلى  ثبات طريقة الشعر وتقديم نفسه خلال المطبوع الورقي فقط. وعدم استغلال الممكنات الأخرى في تقديمه، ولكن رغم ذلك كله ما يزال له قراؤه ومحبوه الكثر.
-ماذا عن النص الشعري التفاعلي/الإلكتروني الذي يدعو إليه بعضهم؟
·  هو موجود على صفحات الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي الحديثة وبعض المنتديات لكن لا يخلو من قلق التعامل معه والقراءة العابرة غير المدققة والجادة ، بسبب طبيعة التعامل مع هذه الإلكترونية وتزاحمها وتجددها الذي لا يرحم، ووقتها الذي يغالب في سيله فلا يكون متأنياً ولا دالاً وحتى الانطباعات تكون سطحية وفيها قدر كبير من المجاملة التي يفرضها الطبع الاجتماعي في تلك المواقع والمنتديات، ولا يمكن أن يفقد الأمر شيئا من الفائدة في الترويج أو الحضور الذهني المستمر ولكن الشعر يظلُّ محتاجاً إلى الثابت من المطبوع الورقي بكلِّ حال.
-كيف تنظرون إلى الإبداع في ظل ثورة التكنولوجيا والاتصالات العارمة؟
·  أفادت ثورة التكنولوجيا الإبداع في مدِّ مساحات الحرية وعدم وجود القيود التي كانت تُفْرض على المطبوع وتصادره لأسباب خوضه في التابوهات أو المحظورات الثلاث المعهودة التي ظلت سيفاً مسلطاً بشكل أو بآخر على المبدعين، وقد أفادت تكنولوجيا الاتصالات الحديثة المبدع والإبداع في إيصال قوله ونصه إلى كل الناس وإلى كل مكان ولا قيد عليه سوى قيد الإبداع ذاته وقدرته وآفاقه وسهلت أيضاً في أن يخرج المبدع عمله بأكثر من شكل عبر المدونات والمواقع الخاصة واليوتيوب وغيرها.
-كلمة أخيرة تقولونها؟؟؟؟؟
·  شكراً لكم على التواصل ومدّ الجسور العربية في أقطارها المختلفة لنتحاور في قضايانا الإبداعية والفكرية والمعرفية، وتحية لصحيفة الخليج الأكثر متابعة لدينا في اليمن لما لها من خصوصية في الطرح ومصداقية في رصد القضايا والموضوعات باحترافية متمكنة، ومهنية عالية.
كان الحوار في 25 ديسمبر 2012م

** ثم نشر في صحيفة الخليج بعنوان (المدونة الشعرية تتسع في الإمارات
على الرابط الآتي:
   

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماذا تعرف عن الحيمة الخارجية؟!

أعمال ومؤلفات الدكتور إبراهيم أبو طالب ودواوينه الشعرية [مرتبة زمنيا بحسب صدورها ( 1999- 2023م)]

24- الأستاذ الدكتور إبراهيم الصلوي (أستاذ اللغة اليمنية القديمة)