وتستمر مأساة اليمنيين مع الكهرباء



بأي ذنبٍ ضربتْ؟!
د.إبراهيم أبو طالب
   "ضربوها، قطعوها، اعتداءٌ جديد على خطوط الكهرباء في نهم، اعتداء غاشمٌ في الجوف، وآخر مدمرٌ في مأرب" هذه عبارات تطالعنا بها وسائل الإعلام بين فترة وأخرى كنتائج مؤلمة لوقائع ضرب خطوط الطاقة الكهربائية، وأحياناً النفطية، فمن وراء هذه الاعتداءات؟! وهل هي عملياتٌ مُنظمة مدروسة أو أنها عشوائية؟ وهل وراءها أفراد أم مؤسسات وجهات تخريبية متخصصة؟!.

 كل هذه الأسئلة وغيرها تحير اللبيب، وتثير مكامن الدهشة في نفس كل يمني صغيراً كان أو كبيراً ذكراً أو أنثي، ما الذي يحدث في هذا البلد المسكين؟!، ولماذا يكون المواطن -إن سلمنا بأنه الْمُعْتدِي- هو والزمن والمآسي على نفسه؟!، ولماذا تكون تلك الجماعات -إذا افترضنا أن وراء ضرب خطوط الطاقة جماعات -وجهات مستفيدة سواء كانت هذه الفائدة مادية -(كالعمالة، أو التجارة بما يترتب على النتيجة من ضخَّ السوق بـ(المواتير)، والشموع المستوردة من الصين غالباً)- أو كانت تلك الفائدة سياسية لأغراض في نفس يعقوب – وهو يعقوب غير نبينا الكريم، وغرضه المعروف– ولا ندري من هو يعقوب هذا بالضبط الذي يستفيد من ضرب خطوط اهترأتْ من كثرة الضرب، وتقطعت شرايينها وأوردتها الممزقة، وما بقى منها من إمكانات الحياة من كثرة ما لاقته من أهوال متنوعة من الخبطات أو الاعتداء بالضرب بالرصاص أو بالتفجير بالألغام، وغيرها من الأساليب والابتكارات الشيطانية المتخصصة التي لم تظهر، وربما لن تظهر إلا في اليمن لتحمل شعار الجودة، و (Made In Yemen).
  كم نسمع من أخبار هنا وهناك عن أن أمةً من الأمم – في بلاد الله الواسعة- تحتفل بمرور مائة عام على عدم انقطاع الكهرباء دقيقةً واحدة، وأخرى تطفئ الكهرباء لمدة ساعة لتحتفي بالهدوء، والطبيعة، وتوفير الطاقة، ونحن نحتفل ونحتفي بالظلام على مدى الأيام، ثم تمضي وسائلنا الإعلامية في اجترار المأساة، والنـزول بالكاميرات إلى المواطنين من طلاب الثانوية، والجامعيين في فترات الامتحانات –تحديداً- لترصد انطباعهم المؤلم عن انطفاء الكهرباء، وهي بذلك تجد مادةً إعلاميةً مثيرةً تحظى بمشاهدة واسعة عند من لديه كهرباء (موتور خاص)، والسَّوَاد الأعظم يغرق في النوم الإلزامي المبكر المصحوب بالقهر والدعاء بالنقمة وعظائم الأمور بسبب ضرب الكهرباء.
  وهذا يقود إلى السؤال المحير؛ متى سنترك النتيجة وتوصيفها، والتغني بالمظلومية؟! ولا نمضي، وتمضي جهات الدولة إلى معالجة السبب بالقوة والشدّة وفرض الهيبة والقانون؟!، وهل يعقل أن يظل أمر ضرب الكهرباء المتكرر الذي يكاد يكون وظيفة ودواماً عند الفاعل المجهول/المعلوم وكأنه يقوم بعمل وطني؟!، وما هذه الظاهرة التي لم تستطع الدولة بجهاتها ومؤسساتها وتدخلاتها القبلية أن تنهيها؟! وهل من المعقول أيضاً أن تظل هذه الظاهرة قائمة رغم ما تمضي فيه اليمن من حلول جديدة في المدار السياسي، وفي إطار التقارب الذهني والإيديولوجي والمذهبي الذي يلعبه مؤتمر الحوار الوطني؟ أم أن موضوع الكهرباء لم تصل إليه المبادرة الخليجية بعدُ؟ وهل يحتاج إليها فعلاّ ؟! إنها أسئلة -كما قلتُ بداية- تُحَيِّر اللبيب، وتتعب قلب كل متأمل يغشاه الظلام من بين يديه، ومن خلفه، فلا يملك إلا أن يغرق في هذه الحيرة المظلمة السوداء، ويمضي في ظلام أفكاره التي لا مصباح يقوده فيها إلى حَلٍّ، ومسكينٌ فعلاً ذلك المصباح الذي يعاني كل فترة وأخرى، بل كلّ يوم من هجوم الظلام عليه أكثر مما ينعم بسريان روح الضوء فيه، وكما قال أحدهم: "لو أن (إديسون) عرف ما سيحدث لمصباحه في اليمن لما اكتشفه، ولا اخترعه أصلاً؟!".
ولا شك أنني في هذه المقالة بدأت أمارس ما تمارسه وسائل الإعلام من اجترار للمشكلة، وتوصيف لأبعادها، والشكوى لمن هم يقرؤون هذا المقال أو سيقرؤونه، وهم في الأصل ضحايا هذا الهجوم على الحضارة، والحياة، والنور، في حين أنَّ الذي يمارس هذا الفعل الإجرامي -بلا شكَّ- بعيد عن كل لك، وبعيد عن القراءة وبعيدٌ عن المشاهدة التي لا تستغرق جهداً، ولا تعباً، لكنَّه قريبٌ من التخريب، وغارقٌ فيه، ويجد اللذة في الضرب، والقطع، والتمزيق، والتفجير... وبقية أفعال العنف المهملة منها والمستخدمة في القاموس، بل واللازمة منها والمتعدية، واستخدام الخبطة، والمعبر، والديناميت، وهذه النفس أو النفوس المفردة والمجتمعة لا تفهم لغة البلاغة، ولا الأدب، ولا جدوى الوصف، ولكنَّها تفهم لغة القمع، والأخذ على اليد، والكف بالقوة، ويجب أن تردع بلغة القانون، وبتعاون المجتمع تحديداً ممن يساعدون الدولة وأجهزتها لا في إعادة الكهرباء وإصلاح خطوطها فحسب-لأن لها رجالها ومهندسيها الوطنيين- ولكن في الأخذ على يد الظالم الْمُظْلِم المعتدي الآثم على النور، والمدنية، والحياة، وعمله هذا إخلال بالمواطنة السليمة، التي لا يعرف شيئاً عن معانيها والإحساس بها، ولكل ظالم نهاية، ولو عدنا إلى حديث النبي صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم: الذي يقول فيه مخاطباً من كان ما يزال على جاهليته، وعماه، وتعصبه للقبيلة بأخطائها "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"، فقالوا له قد عرفنا كيف ننصره مظلوماً؟ لكن كيف ننصره ظالماً؟، فردَّ بتلك القاعدة الاجتماعية الفلسفية العظيمة والمفيدة في كلِّ زمان ومكان "بأنْ تكفه عن الظلم" –أو كما قال رسولنا الكريم-، ونقول: بأن نصرة هؤلاء الأقوام لأخيهم أو إخوانهم فرداً أو جماعة يكون بكف أيديهم عن الاعتداء على مصادر الكهرباء، وخطوطها، وتلك مسؤولية الجميع، فهل سيأتي يومٌ يدرك فيه هذا المعتدي أن ما يقوم به هو غاية الغباء، ومنتهى الهمجية، حيث لا عُرفَ، ولا دين يقر هذا الأمر.
     والذي نفسه بغير جمال .. لا يرى في الوجود شيئاً جميلا
وها هنا ينتهي القول لأن الشمعة التي أكتب على ضوئها تلفظ أنفاسها الأخيرة لتنام في زيتها المتبقي نوماً أبدياً ...
فلا نامت أعين المعـتدين.
    
                    
   مجلة الجيش، عدد مايو 2013م.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماذا تعرف عن الحيمة الخارجية؟!

أعمال ومؤلفات الدكتور إبراهيم أبو طالب ودواوينه الشعرية [مرتبة زمنيا بحسب صدورها ( 1999- 2023م)]

24- الأستاذ الدكتور إبراهيم الصلوي (أستاذ اللغة اليمنية القديمة)