مقال بعنوان همسة لمؤتمر الحوار




همسة في أذن مؤتمر الحوار الوطني
د.إبراهيم أبو طالب
   يحتاج الإنسان إلى الحوار في كل أمور حياته ابتداءً من أصغرها شأناً وانتهاءً بحواره الفكري والفلسفي مع ذاته ومع الموضوع، وبين الذات والآخر وهذه فطرة الله التي وهبها الإنسان وميزه عن غيره من الكائنات وجعل العقل دليلا عليه، وامتنَّ به تكريماً وإعلاءً من شأنه )ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم(، والتكريم يتمثل في هذا العقل الذي من شأنه الفهم والتفكير والترتيب والتنظيم والابتكار والموهبة، والإنسان حين يُسخِّرُ هذا العقل في الخير والبناء يكون أعظم شأناً وجزاؤه ليس له حدود في الدنيا والآخرة، أما حين يوظفه في الشر والهدم يكون أحقر شيء في الوجود، بل يغدو لا قيمة له ولا معنى، وله جزاء العقاب والعذاب الأليم.
   ولعلّ من أهم ما يتردد هذه الأيام على مسامع الناس وفي كل ما تقع عليه أعينهم حين يقرؤون هو (الحوار) كمفهوم وغاية ووسيلة ومن هنا نجد أننا بحاجة إلى المزيد من الفهم والحديث عن هذا المطلوب وعن كيفية التحضير له وما الهدف منه، وبلا شكٍّ يبدو كل متابع للحالة السياسية والحياة اليمنية أنها أحوج ما تكون إلى التقارب بين أحزابها وطوائفها وأفرادها وكل مكوناتها في العمل السياسي، ولن يكون ذلك التقارب إلا في إطار الحوار الذي يدعو البعض إلى التعبير عن أهدافهم وغاياتهم بكل وضوح ومصارحة وإخلاص في إطار الممكن والمقبول في الطموح وفي الأهداف مع مراعاة واقع المجتمع وعدم الخروج عن هذا الواقع بالمبالغة في الأحلام أو المثاليات والرومانسيات ولا بالقفز على الحقائق حتى على مستوى اليومي والسلوكي والممارس من أفعال وأقوال، ولذلك فعلى الجميع إدراك أن اليمن يمرُّ بحالة اقتصادية متردية وظروف من التوتر والقلق العام، والكثير من النقص في عدد كبير من المجالات بما في ذلك مجال التعليم الذي لم يعد في أولويات المشهد أو التوجه سواءً كان على مستوى الحكومة أو غيرها لأن هنالك ما يؤثر على ذلك الاهتمام بما هو مُلِحٌّ من الحاجة والعوز وكثير من الممارسات الخاطئة التي هزت كثيرا من الأفكار لدى الشباب تحديدا وغيرت المفاهيم القِيَمِّية وامتدَّ ذلك إلى عموم المجتمع ومن هنا ظهرت الكثير من المشكلات الاجتماعية  التي يجب معالجتها لأنها السبيل إلى العودة للمنهج القويم بما يقتضيه من توفير البيئة الملائمة للتعليم وذلك يحتاج إلى جهود حقيقية من كل الناس، والتعليم إذا انضبط ينضبط معه إيقاع الحياة كاملة حاضرها ومستقبلها، ويأتي التطور والعيش الرغيد.
    ثم إن على جميع أطراف العمل السياسي أن تراعي أن الناس ينتظرون جهودهم وينظرون إليها بكل حرص وأمل، ويتابعون ماذا سيسفر عن لقائهم في الحوار الوطني، ومدى جديتهم في تجاوز الأزمات سواءً كانت فكرية -وهي الأشد-، أو حزبية أو مصالحية، أو حياتية آنية أو مزمنة، والذي سيذيب جليدها هو اللقاء والحوار والتفاهم، وللأحزاب أن تدرك حقيقة وجودها وغاياتها المتمثلة في فلسفة الحزبية والتحزب الذي يقوم على فكرة التنافس للخير وتقديم الأفضل للناس وللحياة وليست للتمترس وراء الفكر أو الرأي أو العصبة والجماعة لأن ذلك يعني الجاهلية الجديدة بمسمى الحزب ونعود من جديد لصوت العصبية التي كان لسانها:
وما أنا إلا من غُزية إن غوت      غويتُ وإن ترشد غُزيةُ أرشدِ
   ولا يجرمنَّ تلك الأحزاب شنآن أفرادها إن تداعت لأن العدل أساس البقاء، وفيه لا يختلف الناس، ولا يتناقضون حوله في حين قد يتفرقون حول أشياء أخرى تحسبها الأحزاب خيراً، وهي عنه أبعد ما تكون وفي هذه الحالة يغيب عنها معنى الحزبية وغايتها في التنافس من أجل البناء والإقناع وتنمية القناعات الإيجابية المنطقية وليس التنافس من أجل التعصب والهدم، ومن هنا يتضح أن الحوار هو الكفيل بتفسير كثير من القضايا العالقة والتقارب بوعي وبتقديم التنازلات لأن ذلك سيكون من أجل هدف أبعد وغاية أعلى وهي الوطن، الذي به نُعرفُ، وإليه ننتسب، ومن أجله يكون التنافس والعطاء، ومن هذا المبدأ سيعرف الجمع ممن ضم ذلك المجلس الحواري وذلك المؤتمر الجامع مَنْ أصدقُ لهجةً، وأبعدُ غايةً، وأحبُّ لهذا الوطن، وكيف سيقدم له الجميع الخير ويسعون فيما بينهم للوصول إلى الطريق السليم والخبر اليقين؟!، فهذا ما ينتظره الناس في عموم الوطن كبيرهم وصغيرهم بسيطهم ونخبويهم من لجان الحوار ومن أفرادها المتميزين بوطنيتهم وبخبرتهم السياسية والمعرفية والحياتية لأنهم بتنوعهم يمثلون خيرة أبناء الوطن، وكل المتابعين يعقدون آمالهم على هذه اللجنة واللجان التي ستنبثق عنها وعلى المؤتمر الكبير القادم الذي يجب أن تقبل عليه بوعي، وقد بدأ الجميع بحلحلة القضايا والمشكلات التي تشكل عوائق، ولتبدأ بكل مشكلة على حدة، وتأخذها واحدة واحدة، وكذلك يمكن حلّها من خلال المحافظات المختلفة في عموم اليمن، وكذا من خلال تفكيك القضايا المستعصية كلٌّ على حدة لأن المنطق يقتضي ألا تجمع كل تلك القضايا والمشكلات في صعيد واحد أو بلغة أبسط في سلة واحدة، ولا تتعصى على الناس فيصعب حلها وتكون كما قال شاعرنا العربي القديم:
تعددت الظباء على خُراشٍ       فما يدري خراش ما يصيدُ
   ولكن بالتدريج وبالمنطق وبالحوار تُحلُّ كل القضايا العالقة وحتى المستعصية منها لأنه إذا توافرت النوايا الحقة والإخلاص لن يقف أمامها شيءٌ ولن يستطيع أحدٌ أن يُرجع حركة الزمن أو يوقف عجلته المتجددة، ولكن على جميع المتحاورين أن يتذكروا القربى وصلة الدم وواحدية المصير لكي يدركوا أن اليمن للجميع وأن التنافس في خدمته وفي محبته هو المشروع الأول وهو المشروعية التي سيلتفُّ حولهم من أجلها جميع اليمنيين، وأما الزبد – من تهويل ومزايدات وادعاءات وتعصبات غبية- فيذهب جُفاء، وما ينفع اليمن فسيمكثُ في الأرض وفي عقول وقلوب أبنائها فيعبرون عنه بصدق في حواراتهم وفي فعلهم الوطني المسؤول بكل ثقة ومحبة وعطاء.
   وفيما يلي همسة في آذان الجميع في مؤتمر الحوار الوطني تتمثل في ثمان نقاط أرجو أن تكون أمامهم، وأن يتمثلوها أثناء لقاءات عملهم وهي كالآتي:
-        الاستماع للآخر بحبٍّ، وعدم سماع صوت الذات فقط.
-        ممارسة الديمقراطية فعلاً لا قولاً وادعاءً.
-        الأثرة وعدم الأنانية في الأفكار والأقوال والممارسات.
-        ابتغاء الحقيقة المجردة وليكن مصدرها مَنْ كان. ونتذكر مقولة الإمام الشافعي رضي الله عنه: " ما ناظرتُ أحداً إلا تمنيتُ أن يظهر اللهُ الحقَّ على لسانه أو على لساني، وما أبالي على أي لسان ظهر".
-        معرفة الحقِّ في ذاته وعدم الاغترار بالرجال أياً كان موقعهم أو منصبهم، فالإمام علي بن أبي طالب –كرَّم الله وجهه- قال: " لا تعرف الحقَّ بالرجال اعرفْ الحقَّ تعرف أهله".
-        قبول الآخر بما هو عليه والتعايش معه بصدق، وسعة صدر دون رفض أو إقصاء أو تجاهل أو بخس، وعدم السعي إلى قولبته أو أدلجته تحت أي مبرر.
-        تقديم المصلحة العامة على المصالح الحزبية أو الخاصة.
-        أن يكون مستقبل اليمن والأجيال القادمة نصبَ أعين الجميع لبناء حياة كريمة آمنة حرة مزدهرة.
   وختامُ القولِ أننا نبتهل إلى المولى الكريم بقلوب نبضها الصدق، ودعاؤها الخير أن يجمع الشمل على الحق وأن يلهم المتحاورين الرشد والصواب، وأن يسدد بآرائهم النافعة خطوات لقائهم وحوارهم الوطني إنه على كلّ شيء قدير.

abotalib70@yahoo.com   

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماذا تعرف عن الحيمة الخارجية؟!

كتاب (الإعلان بنعم الله الواهب الكريم المنان...) كتابٌ يمنيٌّ فريدٌ ومدهشٌ يضمُّ ستة كتب في الصفحة الواحدة

24- الأستاذ الدكتور إبراهيم الصلوي (أستاذ اللغة اليمنية القديمة)