مرَّعام على انطفاء شمعة الحب



صانع البسمة
مرَّ عامٌ منذ أن ترجّلَ فارس الابتسامة وصانع الأحلام.

مرَّ عامٌ على انطفاء شمعة الحبِّ، وسراج الأمل، وفيضِ الحنان.

مرَّ عامٌ منذ أن قال يحيى للناس: إني ذاهبٌ لأحيا في مكان آخر هو أرفعُ قدراً وأكثر نقاءً وصفاءً من مكانكم في هذا العالم الذي ملأتموه بالبغضاء والحقد والآلام.

تمضي الأيام وتنقضي الأعوام ولكن صدى القول الطيب وبريق الابتسامة الصادقة تمكث في قلوب المحبين ضوءاً لا يخفتُ، ونورا لا ينطفئ، وغيثا لا يجفُّ.

ذهبَ يحيى الذي كان ينقشُ في جدران القلوب آمالاً عذبة، وأحلاماً باسمة.

كان يدرك حقيقة الحياة وغايتها، وكُنهَ الدنيا وصفحتها؛ وأنها ليست سوى ممرٍّ سريعٍ لذا كان مُخِفَّاً في عيشه، خفيفاً في سيرته، عذباً في حديثه، نقياً في سريرته، يحبُّ كلَّ الناس فأحبَّهُ الناسُ جميعاً، يخاطبُ الروحَ بالنقاءِ، والعقلَ بالحوار وبالقراءة الدائمة التي كان يلازمها ويكثر منها، لطالما سمعتَ منه أقوالاً وعباراتٍ عميقةً لكبار المفكرين يحفظها ويتمثلها ويكررها؛ أقوالاً لكبار المفكرين والأدباء من العرب وغير العرب ومن رواد المسرح وكتابه وفنانيه.

المسرح الذي انطلق منه وتثقف له وبه، فكان عالَمَه الأولَ والأجملَ والأقربَ إلى نفسه، ومنه انطلق عبر الدراما التليفزيونية إلى اكتشاف قضايا المجتمع والحياة والنَّاس، وأدركَ أنَّ رسالةَ الفنانِ هي من أغلى الرسالات، وأن دوره في الحياة من أعظم الأدوار في القرب من القضايا وعلاجها لإصلاح المجتمع والتأثير فيه ليرتقي ويتطور، ولهذا وجد السبيلَ إلى قلوب الناس فاقتربَ لمخاطبة وجداناتهم وأحاسيسهم فكانت الابتسامةُ هي أقرب الطُّرقِ، والضحكة الصادقة المقصودة بوعي هي أقصر السُّبُلِ إلى التأثير، فلزِمَها، والتزمَ بها، ولم يتكلفْهَا لأنها أقربُ إلى نفسه، وألصقُ بطبعه.

فكان يمنحها في أدواره طاقات كبيرة من الإحساس والجمال، كما أنها السلوك الحقيقي في دوره الطبيعي في حياته اليومية مع جميع الناس، فهو أمام العدسةِ ليس إلا يحيى الذي يعيش في واقعه بدونها وبعيداً عنها، صادقُ البسمة، موفورُ الضحكة، عميقُ التأمل، مخلصُ الأداء، عذبُ العِشْرَة.

كان يبتسمُ وهو يتألمُ في أحيانٍ كثيرةٍ، ويضحكُ وهو يعاني كغيره من أبناء هذا البلدِ الطيبِ أصلُهُ الحزينِ واقِعُهُ، كان يدركُ أنَّ خيرَ علاجٍ لأوجاع النفس وهموم الواقع وآلام الناس ليس إلا علاج الحبِّ والصفاء والبسمة النقية الصادقة من القلب.

فمضى صانع الابتسامة يقدِّمُها للناسِ ولنفسه، ويرسلُها فراشاتِ حُبٍّ، وورودَ ألقٍ وضوء.

سلامٌ عليه ما عاشَ، وسلام عليه يوم موته، وسلامٌ عليه يوم يبعثُ مستبشرًا برضاءِ الله ومحبته.

لأنه عاش محبّاً ومحبوبا.
 ومات صابراً ومحتسبا...

ليحيى في القلوب مساحةٌ لم يسكنها غيرُه، وله في الذاكرةِ فَضَاءٌ لم يُحَلِّقْ فيه سِواه، لا يُنْسِيهِ الغيابُ ولا يُواريهِ الرحيلُ، وكذلكَ الأعلامُ الكبارُ لا ينتهي دورُهم في حياةِ الناس بمجرد التَّرَجُّل، ولكنه يبدأُ كلَّما ابتعدوا عنا إلا مما تركوه من رصيد إبداعي واسع، وهم بذلك يخلدون بيننا كلما اعتقد الفناءُ أنه غَيَّبَهم.

سلامٌ على "يحيى الحيمي" في حضوره الذي لا ينتهي، وفي صَمْتِهِ الذي يَعبقُ بالكلامِ والمحبة والذكرى والسلام،،،
  د.إبراهيم أبو طالب
أبها: 19/ 5/ 2014م


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماذا تعرف عن الحيمة الخارجية؟!

أعمال ومؤلفات الدكتور إبراهيم أبو طالب ودواوينه الشعرية [مرتبة زمنيا بحسب صدورها ( 1999- 2023م)]

24- الأستاذ الدكتور إبراهيم الصلوي (أستاذ اللغة اليمنية القديمة)