وطني الحبيب، عيد سعيد


لا للإرهاب
  د.إبراهيم أبو طالب
تأتي ذكرى الوحدة اليمنية الخالدة في هذا الشهر المبارك الذي حقق فيه اليمنيون أغلى طموحاتهم وأحد أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين واليمن يمر بأحرج لحظاته في صراعه مع الإرهاب والعنف الذي لم يعرفه طبع اليمن ولا عاداته ولا تقاليده عبر الأزمان المتعاقبة الطوال، وهذا يقود إلى تساؤل حير الكثير من الألباب ووقف لديه العقل اليمني متدبرا متأملا ومتألما في ذات اللحظة، من أين يأتي كل هذا العنف وهذا الإرهاب الذي يحرق الحرث والنسل؟!، ويدمر كل شيء أمامه ابتداءً بالإنسان وانتهاء بالمكان؟!

لا شك أن ثمة تعبئات خاطئة وتكريس طويل المدى ينشأ في غياب الأسرة بدءاً وفي غياب الدولة ومؤسسات المجتمع المدني والأفراد منه على وجه الخصوص انتهاء ممن لا يراقبون تطور الأفكار وانحرافها وميلها إلى العنف والخروج عن الوسطية والاعتدال ومن هذا المنطلق تكون تلك الشخصيات التي تتعرض لاصطياد الجهات الخارجية المتربصة بالشباب تحديدا هي واحدة من أخطر الحاضنات للإرهاب والأفكار المدمرة، وأخطر ما يتعرض له الشباب هو الأدلجة غير المعتدلة المرتبطة بالجنة والنار في وقت احتياجه إلى الدين – وكل أوقات الإنسان بحاجة إليه- ولكن وقت المراهقة أو التكوين فيما دون الثامنة عشرة هو من أهم الأوقات وأخطرها لتلمس الشاب لطريق التدين وهنا يتم الضغط على هذه النفس التواقة في هذه المرحلة وما بعدها وما قبلها بقليل، ويحدث التجنيد في غير مساره، فيصبح شبابنا عرضة للكثير ممن لا يخافون الله في الناس فيوظفونهم في غير ما خلقهم الله له، ومن هنا تبدأ قصص المأساة التي يدفع ثمنها الشاب نفسه حياته ومستقبله، ولعل ضغط تلك الحاضنات للإرهاب وللتطرف هي من تصنع في روع الشباب مسارات التشدد والخروج عن الجادة.


       فما يصور للشاب من أخطاء اجتماعية أو تصرفات فيها بعض الوقوع في التقصير تجسم على أنها الضلال المبين وأن مرتكبها مرتكب كبيرة لا يجب أن يغفر له، مع أن الغفار هو الله الذي وسعت رحمته كل شيء لكن رحمة الخلق لا تسع شيئا سوى الوهم والتغرير، فيقوم الصانع للإرهاب بالتكريس لهذه الأخطاء في ذهن الشباب ممن يقعون تحت تأثير تلك الجماعات ولا يستطيعون منهم فكاكا بالضغط عليها وتجسيمها وتفخيمها، يضاف إليها احتياجه إلى التدين فيسلط من نفسه رقيبا ومخلِّصا، ليس بالدعوة إلى سبيل ربه بالموعظة الحسنة وبالجدال بالتي هي أحسن كما هو الدين النقي دين الفطرة السوية والدعوة النقية، ولكن بالعنف والشدة والغلظة وأحيانا بالقتل، يدعم كل ذلك ثقافة التدمير، ويقطع هؤلاء على الشباب منابع الجمال والحياة الكريمة بما فيها من عسر ويسر وشدة ولين فكل ما حولهم حرام وكل الصور قاتمة ولا سيبل للنور ولا حضور للجمال إلا في الجنة التي يستعجلون الشباب في الوصول إليها على ظهر حزام ناسف أو بمتن عبوة ناسفة، والجنة ثمنها غالٍ وطريقها العمل الصالح وبناء الحياة بحياة الإنسان لا بموته وقتله، وأما الجهاد الذي يصورونه للشباب تغريرا فما هو بهذا الشكل ولا هو من هذا الطريق، فهو ذروة سنام الدين وليس بقتل المسلمين الموحدين ولا بتدمير الوطن الذي فيه حياة الناس وأمنهم ومعاشهم.


إن ما يحدث من قتل لأفراد الجيش الذين يدافعون عن الوطن في كل سهل وواد وعلى كل قمة وشاطئ، والذين يبذلون أرواحهم من أجله رخيصة بما نذروا به أنفسهم  لوطنهم حبا واحتياجا إنما هو من أكبر الكبائر ومن أفضع الجرائم، إذ أن الجيش في أي مجتمع هو صمام الأمان الحقيقي لهذا المجتمع به يتحقق الأمن وتستقر البلاد وتهدأ النفوس ويتحقق العدل، فلو بدأ الخلل والاضطراب فيه اختل كل شيء في المجتمع، -وهذا ما هو واضح في واقعنا الآن- وحين يغيب تغيب الطمأنينة، وما أحوجنا اليوم إلى إعادة الهيبة للدولة وحضورها الذي أصبح ملحوظ الغياب في كل مرافقها، ومن هنا اضطربت الأمور إلى أقصى درجات الاضطراب.



أفراد الجيش والأمن هم من كل بيت من بيوتنا وهم أبناؤنا ولا يرضون لأهلهم الضرر والبؤس والشر، فكذلك على المجتمع النظر إليهم والاعتزاز بهم وحبهم، والتقدير لهم، فهو منهم وهم منه، لُحمةً ورحمة، وما يحدث من مظاهر الإرهاب هنا وهناك إنما ذلك دخيل على مجتمع اليمن مجتمع الرحمة الذي هو أرق قلوبا وألين أفئدةً بشهادة من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، لذا فالمعول النهوض الشعبي والدعم المعنوي والحقيقي للجيش الوطني بافراد القوات المسلحة والأمن ولرجال الشرطة الذين هم في خدمة شعبهم وذويهم، ولن يستطيع متدخل أن يصل إلينا إن كنا نسيجا اجتماعيا متماسكا من الداخل، فالبيت الذي يتماسك من بداخله من أفرادٍ وأسرة واحدة متحابة لا تستطيع عواصف الخارج أن تمسه بأذى مهما كانت قوة تلك العواصف، ومهما بلغت شدتها وأذاها.


ولعل أحوج ما نكون فيه إلى التماسك هو حين نتذكر مواطن الفرح والقربى ونتلمس ذكرى الانتصار وتحقيق أحلامنا الماضية ومنجزاتنا للنطلاق إلى أحلام المستقبل من خلال ذكرى الوحدة في هذا الشهر المجيد، وعلى كلّ القوى السياسية أن تدرك أن طريقها واحد وأن وطنها واحد فلو تمزق – والعياذ بالله- ودمر صمام أمانه أو أوذي فلا سبيل سواه ولا خير فيما دونه، وأن تتنافس هذه القوى على التطوير لا التدمير وعلى الولاء لا العمالة والارتهان للخارج أو الغباء المحض، فكل ما لا يأتي من الداخل ومن العمق الإنساني للنفس إنما هو استلاب وضياع، وكم رددنا قول الشاعر: لا يرتقي شعب إلى أوج العلا ما لم يكن بانوه من أبنائه...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماذا تعرف عن الحيمة الخارجية؟!

أعمال ومؤلفات الدكتور إبراهيم أبو طالب ودواوينه الشعرية [مرتبة زمنيا بحسب صدورها ( 1999- 2023م)]

24- الأستاذ الدكتور إبراهيم الصلوي (أستاذ اللغة اليمنية القديمة)