كتاب المجاوزة


الشعر الحداثي والجمهور في كتاب " المجاوزة..."

 للدكتورة أماني فؤاد   
 د.إبراهيم أبو طالب
   لا بد من الاعتراف بأن هناك ما يشبه القطيعة بين الشعر الحداثي وما بعده، وبين جمهور التلقي غير المتخصص، وراصد الحركة الشعرية المعاصرة له أن يتساءل عن أسباب هذه الفجوة بين الشعر والجمهور، وتجيب الدراسة الصادرة عن المجلس الأعلى للثقافة، والتي تحمل عنوان "المجاوزة في تيار الحداثة بمصر بعد السبعينيات" للدكتورة أماني فؤاد عن بعض المسببات التي أحدثت هذه القطيعة، وذلك برصدها للمجاوزات الفنية والفكرية التي حدثت في القصيدة الحداثية وما بعدها على مستوى الإبداع، والدراسة على المستوى النقدي تُعد تعريفًا وتقديمًا لهذه المجاوزات لتحطيم الجدران بين الشعر والجمهور.
   أظهرت الدراسة أن الدمج والجدل بين الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية وبين الأخذ والتأثر بالمذاهب الغربية النقدية والفكرية المختلفة هما ما أدّيَا إلى ظهور تيار الحداثة وما بعدها بمصر، وهذا ما حفز على التمرد على الموروثات الأدبية، واستدعى الحوار مع مناطق خاصة منها، كما حفزت على تحديث الرؤى العامة وتقنيات صوغ الشعر من خلال المثاقفة مع المذاهب الفنية الغربية.
   وقد أشار الكتاب إلى العنف الذي اتسم به الصراع في الأدب العربي وأرجعته المؤلفة إلى أسبابه المختلفة التي من أهمها ارتباط لغة الأدب بلغة القرآن الكريم والقداسة التي انسحبت على عمود الشعر العربي على مر تاريخ الأدب العربي.
   وكانت الإضافة الحقيقية لهذه الدراسة هي في توصيفها للغة دون مساحة فاصلة بين الدال وما حُمّل من شحنة ومن خلال توصيف مباشر ومسح للعديد من الشواهد التي بعدت فيها عن الدراسات التقليدية، واقترحت الباحثةُ سماتٍ جديدةً للغة في القصيدة الحداثية مثل قولها "بأنها لغة تعايش الأضداد، لغة الجسد، اللغة الأحادية، اللغة المتشيئة، لغة الذات، اللغة الصوفية"، وأصّلت الباحثة لهذه النظرات نقديًا وفلسفيًا ولغويًا.
   ولقد رصد الكتاب لنوعيةٍ مختلفة من الجماليات التي من خلالها تُصاغ القصيدة الحداثية، واقترحت المؤلفة تسمية هذه الجماليات بجماليات التناقض، والجوار، والفوضى، وهذه الطبيعة الجمالية تعبر عن التداخل ما بين الفنون، والعلوم، والفلسفات المتنوعة والذي كان سمة العصر الحديث بصفة عامة، ولقد عمدت الدراسة إلى الانطلاق من الشاهد الشعري المعاصر والمسح الشامل لظواهر تيارٍ بأكمله، وأكدت الدراسة أن على النقد القيام بدورٍ فعالٍ مزدوجٍ في الأداء للمبدع والمتلقي على السواء، عليه أن يمد جسورَ تواصلٍ دائمٍ بين المبدع والمتلقي بمواكبة متغيرات القصيدة وعرض وتفسير النظريات الجمالية التي لم تعتدها الأذواق العربية، وشرح تقنياتها من خلال الشواهد المتجددة دومًا، وإن تحقق هذا فستنتفي تلك القطيعة، ويعود للتلقي والإبداع علاقة الجذب والحوار التي ننشدها من الفنون الراقية.
   جاء الكـتاب في أربعة فصول هي على التوالي: الحداثة والحدَاثيّون في مصر، وصراع الأجيال، والدلالة والمجاوزة، والتشكيلات الفنية والمجاوزة، بالإضافة إلى المقدمة والنتائج والتوصيات، تجدر الإشارة إلى أن مفهوم المجاوزة الذي تقوم عليه الدراسة يعني " الانحراف في تيار الحديث والجري وراء التقاليع التي قد تنزع نحو الانغلاقية والغموض. ونجد رائدها " رولان بارت " في فرنسا ينادي بأنّ الوضوح قيمة برجوازية طبقية ينبغي أن يتخلص منها التفكير الثوري، والمجاوزة انتقال من المشابهة السكونية إلى الاختلاف والتحول والجدل والتوالد، والمجاوزة مغامرة بلا حد في تجديد اللغة وتحرير المخيلة ورفض السلطة – النموذج المفروض – من قبل المؤسسات الثقافية الرسمية.
   مؤلفة الكتاب الدكتورة أماني فؤاد باحثة جادة إضافة إلى كونها شاعرة تمارس العمل النقدي والإبداعي معًا، صدر الكتاب عن المجلس الأعلى للثقافة 2006م وهو جدير بالقراءة لموضوعه الحيوي في بنية القصيدة العربية الحداثية وأزمة التلقي.
مارس 2007 م   

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماذا تعرف عن الحيمة الخارجية؟!

أعمال ومؤلفات الدكتور إبراهيم أبو طالب ودواوينه الشعرية [مرتبة زمنيا بحسب صدورها ( 1999- 2023م)]

24- الأستاذ الدكتور إبراهيم الصلوي (أستاذ اللغة اليمنية القديمة)