محمد مندور شيخ النقاد



الشعر العربي الحديث في التراث النقدي
 لشيخ النقاد (محمد منـدور)
بقلم: د.إبراهيم أبو طالب
أستاذ الأدب والنقد الحديث المشارك بجامعة الملك خالد وجامعة صنعاء.
 
   ما من شك في أن الناقد العربي الكبـير الدكتور محمد منـدور (1907 – 1965م) قد استحق لقب (شيخ النقاد) عن جدارة فكرٍ، ونفاذ رؤية، واتساع أفق، وهذا اللقب الذي يمثل شهادة من أكبر نقاد الأدب العربي وعميده الدكتور طه حسين الذي أطلقه عليه، ومندور في يفاعة الكهولة في سن الخمسين تقريبا، فعُرفَ به معرفةً ملازمة كلزوم الشيء لظله، وكما تعرف الأشياء بخصائصها كالعطر في الزهور أو النغم في آلات الموسيقى أو الضياء في إشراقة الشمس، وكما يشتهر المبدعون بنوع إبداعهم فيعرف بهم ويعرفون به، فيعرف الشعر بشوقي – مثلا -، والغناء بأم كلثوم، والمسرح بالحكيم، والرواية بنجيب محفوظ، فإن النقد يعرف بمندور، فبم استحق هذه المكانة، وكيف تربّع على هذا المكان؟!
   لعل الإجابة عن هذا السؤال تحتاج من بسط القول ما يتناسب مع مقام مندور وقامته السامقة في ميدان الأدب درساً وتنظيرا ومتابعة في رحلته العلمية الطويلة والتي تمتاز بتنوعها وخصوبتها؛ حيث تناولت "النقد والنقاد المعاصرون" بكل أناةٍ وعمق رؤية، كما رصدت الموروث العربي النقدي حتى القرن الرابع الهجري فحددت مناهجه وبينت طرائقه في رسالة أكاديمية نال بها الدرجة العلمية في أقل من عام – بهمته المعهودة وذكائه العلمي – عن "النقد المنهجي عند العرب"

 ثم بدأ في مشروعه النقدي الكبير الذي سار عليه في عدد من الكتب هي: "في الأدب والنقد"، و"في الميزان الجديد"و في"معارك أدبية"، ومن خلال محاضراته ودروسه التي ألقاها على طلاب الدراسات العليا، وضع"الأدب وفنونه"،

 و"الأدب ومذاهبه"، والشعر المصري بعد شوقي"– في ثلاث حلقات -، كما أفرد جهودًا واسعةً في المسرح، فألف عن "مسرح توفيق الحكيم"، و"مسرحيات شوقي"، "والمسرح النثري"،"والمسرح العالمي"،و"المسرح"، ثم "في المسرح المصري المعاصر"، ومن قبلها وضع مخططه العام في التنظير عن "الكلاسيكية والأصول الفنية للدراما" كما أن الفن القصصي لم يكن غائبا عن تراثه النقدي من خلال مصنَّفيْهِ المهمين: "نماذج بشرية"، و"قصص رومانية".
   ومن هنا فإن مشروعه النقدي المكتمل شعراً، ومسرحًا وقصةً وتراثاً ونظريةً أدبية جعله بالفعل يتربع على كرسيّ النقد ومَشْيَخَة النقاد، وحين نقف ساعة مع هذا الناقد العَلَم في هذه العجالة والمقاربة الخجلى في محاولة لاستعراض بعض جهوده المتمثلة في الشعر العربي الحديث ورؤيته النقدية، فإننا سنُطلُّ على ذلك من خلال نافذة كتابه "الشعر المصري بعد شوقي" ثم سنقف وقفة سريعة مع كتابه الآخر"مسرحيات شوقي"، في استعراض قد يبدو مخلاً لمحتوى هذين الكتابين، ولكنّا في هذا الاستعراض نُحَفِّزُ على القراءة ونُذكّرُ بمنهج مندور أكثر من أي شيء آخر.
 أولا: كتاب (الشعر المصري بعد شوقي):
   يضع محمد مندور في كتابه "الشعر المصري بعد شوقي" (القاهرة، نهضة مصر) بأجزائه أو حلقاته الثلاث (بين القديم والجديد)، و(جماعة أبوللو)، و(روافد أبوللو) خريطة عامة للشعر الحديث مبينا في البداية كيف أن شعراء مصر التقليديين وبخاصة البارودي، وشوقي، وحافظ قد أنقذوا الشعر العربي من هوة سحيقة كان قد تردى فيها منذ عصر العباسيين المتأخر حتى حركة البعث العربي الحديثة، وذلك برجوعهم إلى الشعر العربي في أيام ازدهاره وقبل أن تطغى عليه الصنعة اللفظية فتُنْضِبَ ماءه، ونسجهم على منوال ذلك الشعر ومعارضة الكثير من روائع قصائده.
   ثم بيّن أثر ظهور البارودي الذي عاد إلى منابع الشعر العربي السليم واستمد بعض معانيه أو أخيلته أو أنغامه من القدماء، ولكنه صاغ بعضا من تجاربه الخاصة وتجارب عصره صياغةً شعريةً قوية، ثمّ جاء شوقي الذي سار على نفس الدرب حتى بلغ القمة بالشعر التقليدي، فردَّ إلى الشعر العربي جمالَه القديم، ويرى مندور أن شوقي على الرغم من إقامته في فرنسا لمدة أربع سنوات واتصاله أو إمكان اتصاله بآدابها لكـنه لم يخرج بمجمل شعره عن الدروب المطروقة المتوارثة، ويقول بأن شوقي لسوء الحظ محدود الثقافة الأدبية والفلسفة الغربية، وإذا كان قد ترجم شعراً قصيدة "البحيرة" "للامرتين" أو حاكى"لافونتين" فكتب على ألسنة الحيوانات بعض القصص الشعرية القصيرة، أو تأثر بالأدب التمثيلي فكتب مسرحية "علي بك الكبير" فإنه لم يلبثْ أن نفض يده من الأدب الغربي كله لكي يعود إلى قواعده فيعارض بردة البوصيري أو سينية البحتري، ولعلّ مندور قد بالغ في حكمه على شـوقي بقوله: "يندر أن نجد في ديوانه تجارب شعرية حقيقية، وذلك بالرغم من طاقته الشعرية العاتية ومن تملكه لناصية الأسلوب الشعري" فإنه قد أثبت شاعريته ونفى شعره في نفس الوقت، فكيف يتأتى ذلك؟ من أين أتت شاعرية الشاعر دون أن يتحقق ذلك في شعره؟!.
   ثم يتحدث عن خليل مطران الذي كانت مصر والعالم العربي يستمعان إليه وقد جمع بين الثقافتين الشرقية والغربية وتعمق في كليهما وواتته ملكةٌ شعرية قوية، وفهمٌ صحيح لأصول الشعر وأهدافه، وصبرٌ دؤوب على معالجة الصياغة وإخضاع المعاني والأحاسيس والأخيلة للألفاظ والنغمات ولدماثة أخلاقه إلى جانب ثقافته هفت إليه قلوبُ الشباب واتخذوه إمامًا، ويبين مندور مكانته ودوره الذي اتبع فيه حاسة الجمال عند خواص الأدباء والشعراء وأدخل في الشعر العربي الحديث أخيلةً ونغماتٍ واتجاهاتٍ لم يعهدها الشعر التقليدي، وبخاصة تلك الحركة الدراماتيكية التي تهتز بها روائع قصائده المطولة.
   ويبسط مندور الحديث عن جماعة الديوان التي كانت خطتها تقضي بأن يبدأ العقاد والمازني بتحطيم الأصنام مثل شوقي والمنفلوطي وغيرهما، وذلك بنقد شعرهم وأدبهم نقداً تفصيلياً وعنيفًا حتى إذا تمت عملية الهدم أخذا في بسط آرائهما البنائية في الأدب والشعر، ولما كان الكتاب (أي: كتاب الديوان) لم يكتمل – حيثُ أصدرا منه جزأين في حين كان عزمهما أن يبلغ عشرة أجزاء – فقد ظلت آراؤهما البنائية مجهولة، وإن كنا نستطيع التقاطها من تضاعيف نقدهما الهادم.
   ويضع مندور ملاحظاته على "الديوان" ومنها أن العقاد والمازني لم يعرضا في الديوان لنظريات الأدب العامة ولا لأهدافه ومصادره وفنونه، وهي مشاكل كبرى لم يأخذ الأدباء والشعراء في العالم العربي الحديث في مناقشتها وإنما اقتصرت حملتها على ديباجة الشعر الغنائي وتحليل عناصره، وتقييم تلك العناصر، ثم يبين كيف أن العقاد يريد من الشاعر أن يكشف لنا عن لباب الأشياء ولكننا في الحقيقة لا نعرف عن هذا اللباب شيئاً.
   ويبين كيف عزز أدباء المهجر وشعراؤه الحملةَ العنيفة التي قادها العقاد وزملاؤه ضد الشعر التقليدي، وظهر ذلك جلياً في كتاب"الغربال" لميخائيل نعيمة، الذي يختلف عن"الديوان" الذي كان قد اكتفي بالنقد التطبيقي التفصيلي لبعض قصائد شوقي دون وضع مقاييس عامة للشعر في حين أن الغربال قد عقد فصلا لمقاييس الأدب العامة، وأرجع تلك المقاييس إلى حاجاتنا النفسية الثابتة، ويعد الغربال الأساس النظري الفلسفي لأدب المهجر الذي يأخذ عليه عرب المشرق تحرره لا من تقاليد الشعر العربي فحسب، بل ومن قوة العبارة اللغوية وسلامة أصولها حتى نرى الأستاذ العقاد نفسه يخالف مؤلف الغربال في نظره إلى اللغة ويثبت هذا الخلاف في المقدمة التي كتبها للغربال.
   ثم يتناول النقد التطبيقي في منهج العقاد في نقده لقصائد شوقي مبينًا نماذج كثيرة من ذلك النقد، ويضعه في غربال النقد الخاص، فيوضح أين أصاب العقاد؟، وأين تحامل؟ ويختم رأيه بالقول بأن حملة مدرسة الجديد على الشعر التقليدي وأنصاره لم يَشُبْها التحاملُ الشخصي فحسب، بل وشابها أيضًا شيء كثير من التعسف الفني حتى رأينا أحد دعائم هذه المدرسة الجديدة، وهو المازني يندم في أخريات حياته على الحملة التي شنَّها على حافظ إبراهيم، ويودُّ لو طواها النسيان، ولكن هذا العنف – في الواقع – هو الذي خلّص الشعرَ العربي الحديث من سطوة التقاليد الشعرية القديمة التي كانت قد أصبحت قيدًا على أقلام الشعراء وحبسًا لشاعريتهم، فغدو كمن يرقص في الأغلال، ثم يرصد ما لأنصار القديم من إضافات أهمها أن أحمد شوقي أدخل في الشعر العربي الحديث فنَّ الأدب التمثيلي وتبعه في هذا الاتجاه "عزيز أباظه".
   ثم يتحدث مندور عن الشعر التقليدي من خلال عرض بعض نماذجه وشرحها كما في حديثه عن "علي الجارم" الذي كان يريد أن يُرشَّحَ لإمارة الشعر بعد شوقي، وكيف غلبتْ على شعره المناسباتية والتَكَـلُّف، ويَعرضُ لأمثلة من شعره بأسلوب الناقد الماهر، كما يعرض للشاعر البدوي محمد عبد المطلب، وكيف تطور شعره بالإطلاع والقراءة والتَّمـدُّنِ؟.
   ويفصّل مندور القول عن شعراء الديوان العقاد والمازني، ثم عبد الرحمن شكري حيث يجزم بتأثر أنصار هذه المدرسة من الشعراء الجدد بالأدب العربي من خلال نماذج ابن الرومي والمتنبي وأبي العلاء المعري والشريف الرضي – لظهور الذاتية والتميز في شعرهم – وليس بكل التراث العربي، كما أن تأثرهم بالأدب الغربي كان من خلال الأدب الإنجليزي  وبالتحديد كتاب "الكنز الذهبي" الذي جمع فيها "فرانسيس بالجريف" أستاذ الشعر بجامعة أكسفورد خيرَ ما كتبه شعراء الإنجليز من شعر غـنائي منذ عصر شكسبير حتى نهاية القرن التاسع عشر، وقد ظهر شعار مدرسة الديوان بأن الشعر هو الوجدان، في قول شكري على غلاف ديوانه "ضوء الفجر" ألا يا طائر الفردوس إن الشعر وجدان"
   ثم يتحدث حديثًا مفصلاً عن شاعرية العقاد واتجاهاته، ومَنْ تناوله بالنقد وبخاصة الرافعي في كتابه "على السفود" الذي قام على نقد لغوي تقليدي يناقش التعبيرات ونحو اللغة، وينقب عن السرقات، ويوازن بين شعر العقاد وشعر العرب القدماء، ثم يستعرض مندور دواوين العقاد المختلفة، ويطيل الوقوف لدى ديوان "هدية الكروان"1933، و"عابر سبيل"1937 مؤكداً بحكم نقدي عام يخلص إليه "أن مثل هذه الموضوعات التي تضمنها ديوان "عابر سبيل" قد تصلح مادة للشعر إذا وهب الشاعر ملكةً تصويرية تستطيع أن تخلق شيئًا من لا شيء، أو إذا عمر قلبه بالعاطفة الإنسانية بحيث يحنو على ما يشاهد في الحياة اليومية العابرة من محنٍ وآلامٍ وقبح، ويختم حديثه عن تجربة العقاد الشعرية بأنه "غيرُ محرومٍ من روح الشعر ولا من نبض الحياة، ولكنه اصطنع راضياً أو كارهاً لنفسه شخصيةً عملاقة متجبرة أرادت أن تصرع الشعر وأن تصرع الحياة، ولكن هيهات فالعقاد لم يقلْ شعراً إلا عندما هزته روح الشعر وسيطرت عليه وأما عندما يتعالى العملاق ويصول ويجول فإن الشعر يولّي الفرار"، ولم نقرأ فيما قرأنا من قبل توصيفا لتجربة العقاد الشعرية بمثل هذا العمق ونفاذ الرؤية.
   ثم يفرد مندور حديثًا خاصًا عن عبد الرحمن شكري منتصفا له مما وقع عليه من هجوم وتنكّرٍ من زميليه العقاد والمازني، وأطلق عليه وصف "شاعر الاستبطان الذاتي" وكيف أن شكري استطاع أن يجمع بين التيارين اللذين انفرد بكل منهما واحدٌ من صاحبيه – المازني والعقاد -، ويعني بهما التيار العاطفي الشاكي المتمرد والمتشائم وهو تيار المازني في شعره، ثم التيار الفكري الذي يتميز به العقاد في شعره العقلي الإرادي الواعي بما يريد، وأما شكري فقد احتفظ بالتيارين وسلط أحدهما على الآخر... فلا يمكن أن يوصف بأن شعره عاطفي ولا بأنه شعر عقلي، ولكنه شعر طابع خاص يمكن أن نصفه بأنه شعر التأملات النفسية أو الاستبطان الذاتي"، ويمضي في شرح نماذج من شعره ويقف عند خصائص أسلوبه.
  ثم يصل مندور إلى الحديث عن جماعة أبوللو من خلال رائدها الشاعر الدكتور أحمد زكي أبو شادي متعدد المواهب، ويصف جهده في تكوين جمعية أبوللو وإصدار مجلة أبوللو 1932 الفريدة في تاريخ الأدب العربي المعاصر والتي تخصصت في الشعر ونقده، وأصبحت مجالاً فسيحاً لكافة النفوس الشاعرة الفتية التي وجدت في أبي شادي نبياً من أنبياء الشعر شجّعَ الجميع وأعطاهم الفرصة للظهور في ضوء الحياة وساعد على نشر دواوينهم وتقديمها للجمهور حتى التفَّ حولَه عددٌ ضخمٌ من الشعراء الشبان الذين لا يزالون يدينون له بالفضل.
   وهكذا يتحدث مندور عن أحمد زكي أبو شادي وشاعريته وسعة ثقافته وتنوعها عربيا وأجنبيا واطـلاعه وتعدد مواهبه من شعر ونقد ومسرح وأوبرا وفن تشكيلي، ويبين مندور كيف مثّل هاجسُ العمل الغنائي الشعري من خلال فن الأوبرا لأبي شادي دافعا مهمًا وملحًا فألّف فيها عددا من الأعمال أولها "إحسان" وهي محاولات لم تلق ما أمَّلَ لها مؤلفُها من نجاح، وهي محاولات يجب أن نحييها وأن نذكرها دائما.
   ثم يتحدث عن جهود أبي شادي في القصة الشعرية وولعه بنظم عدد كبير من القصص شعرا، ويتحدث مندور عن شعره الغنائي وطغيان الذاتية في شعره، ثم تحدث عن نضوجه وفلسفة شعره، وكيف ترك مصر بسبب ما أسماه مندور"بمرض الاضطهاد" الذي أحسه وتصوره ممن حوله فهاجر إلى أمريكا، وزاول عددا من الأعمال فيها محررا لجرائد أو مؤسـسا لأندية أدبية أو رساما أو مترجما، ثم يضع مندور في ختام حديثه عن أحمد زكي أبو شادي نظرة تقييمية عامة عنه بأنه "كان رجلاً شديد الحيوية، خصـب الإنتاج، متفتح النفس، واسع الثقافة، خير الطبع، شديد الطموح، ولكنه لسوء الحظ كان قليل التريث والأناة والصبر والمعاناة ولذلك أصاب شعره وإنتاجه كثيرٌ من الخلخلة والاضطراب وقلة العناية والمراجعة التي اشتهر بها أستاذه خليل مطران".
   ثم نجد مندور يوسّع خريطته النقدية في الشعر العربي المصري من خلال حديثه عن روافد أبوللو ممثلةً في شعراء هذه الجماعة التي تميزت بخصوصية شعرائها وإبداعهم المتميز، فيتحدث عن إبراهيم ناجي وطابع شعره الوجداني بحبِّه المثالي وبأشواق الروح، ثم عن أبي القاسم الشابي التونسي المولد والنشأة والممات ولكنه يكاد – كما يقول مندور – يعتبر شاعرا مصرياً لأنه كان ينشر شعره في مصر وبخاصة في مجلة أبوللو، كما أنه اشتهر في مصر وذاع صيته، ثم يتحدث عن روحه الثائرة المقاومة للمرض والقهر وعن شعره الممثل لحياته القصيرة بما يحتويه من روح متفتحه للحياة والحب الذي أنشد في هيكله أعذب الصلوات.
   ثم يأتي الرافد الآخر وهو "علي محمود طه" بتحليقه الشعري الصادق الشعور الذي تأثر بمشاهداته وتجارب حياته أبلغ التأثر، ونقل كل ذلك إلى جو شعري نافذ العطر بفضل خصائص لغته الشعرية، وقد وقف مندور عند ديوانه الأول "الملاح التائه" مبينا خصائص شعره المحلية واستغراقه في نفسه وتعجله ثمرات العبقرية ومجدها البراق، ثم ديوانه "ليالي الملاح التائه" الذي استقر فيه الملاح فعلا إلى الشاطئ وتبينت فيه معالمه واكتملت فلسفته في الحياة، ويقف بالتفصيل والشرح عند قصيدته الطويلة "أرواح وأشباح"، ثم "أغنية الرياح الأربع" التي تجمع بين المسرحية والأوبرا، ثم دواوينه"زهر وخمر"، و"الشوق العائد"، و"شرق وغرب"، ويخلصُ بعد تحليل دقيق وعرض حصيف لنماذج من هذه الدواوين إلى القول بأن علي محمود طه شاعر الأداء الحسي والفلسفة الابيقورية، فهو بطبعه أبعد ما يكون عن الروحانية والتأمل الذاتي، ثم يقارن بين تجربته ذات الطابع الانبساطي ويتخذها مدخلا للحديث عن حسن كامل الصيرفي شاعر الشَّجَنِ والتأمل – كما يصفه – ويَعُدُّه أنموذجا للطبع الانطوائي المنعكس بقوة في شعره، ويُرجع ذلك إلى ظروف حياة هذا الشاعر المغبون والتي أثّرت تأثيرا كبيراً في تكوين طبعه الانطوائي، ويقف مع ديوانه المبكر"قطرات الندى"، ثم"الألحان الضائعة"، و"دموع وأزهار"، و"الشروق"وفي هذا الديوان الأخير يخف انطواؤه وقد أصبح فيه خارجاً عن محيط ذاته ومنفعلا ببعض أحداث مجتمعه انفعالاً قويًا صادقًا، ويضرب لذلك مثلاً بقصيدتي:"القرش"و"نشيد الثورة".
   وقد أورد نماذج كثيرة من شعر الصيرفي خشية ضياعها، وانتصر له كثيرا لأن مندور أحس أن هذا الشاعر الكبير ظل حتى اليوم مغمورًا لا يحتل المكانة الأدبية والاجتماعية التي تليق بشاعريته الفذة، كما يستشعر بأسى عندما يعلم أن هذا الشاعر لم يستطع أن ينشر غير ديواني:"الألحان الضائعة"، و"الشروق"بينما لا تزال لديه أربعة دواوين أخرى قيمة تنتظر من ينشرها.
   ويستمر مندور في كتابه / حلقته الثالثة (روافد أبوللو) في عرض مسار خريطته للشعر العربي الحديث فيتحدث عن محمد عبد المعطي الهمشري شاعر الرومانسية موضحا أن خيال هذا الشاعر دائم الارتكاز على الواقع وفي ذلك سر عمقه ونفاذه إلى القلوب، ثم يتحدث عن صالح علي الشرنوبي شاعر الشك والحرمان – كما يصفه – مبينا أثر تكوينه في صراع تيارين عاتيين عليه هما تيار التربية الدينية الأزهرية، وتيار التحرر الفكري والشعور بالحرمان الناتج عن التفتح للحياة المتأثر بتيار أدباء المهجر، وبخاصة إيلياء أبو ماضي، ثم يبين نهاية هذا الشاعر السريعة التي وضع لها الموت حداً لقلقه، وشقائه، وعذاب روحه.
   ثم توقف عند مصطفي السحرتي الشاعر الناقد باعتباره أحد أعضاء جماعة أبوللو البارزين بل ومن عقولها المفكرة، وهو ناقد أكثر منه شاعرا، وينتهي مندور إلى تقييم إنتاجه الشعري بقوله "لا نحس في شعر السحرتي بالعاطفة الحارة والطاقة الشعرية النابغة والموسيقى المتميزة،  فشعره شعر هادئ إرادي أهاضَ فيه العقلُ أجنحةَ الخيال".
  وما كان لمندور أن يترك شعر الوجدان دون أن يرصد جهد رائدات شعر الوجدان النسائي، فيتحدث عن"جميلة العلايلي" التي قدمها أحمد زكي أبو شادي في ديوانها"صدى أحلامي"مبينا الفارق الشاسع بين شعرها وشعر من قبلها مثل عائشة تيمور، وأمينة نجيب، ومَلَك حنفي ناصف اللاتي كُنَّ جِدَّ حريصاتٍ على وأد عواطفهن مراعاة لقواعد الاحتشام المصطنع... وأما شعر جميلة فيجد صاحبته كاشفةً في اطمئنان وشجاعة عن دخيلة نفسها في صدى أحلامها المنغومة، ثم يقارن مندور بين تجربتها وتجربة الشاعرتين العربيتين نازك الملائكة، وفدوى طوقان ليؤكد أن السيدة جميلة لا تزال في منتصف الطريق، ولذلك نراها تصَدّر قصائدها العاطفية بأقصوصة صغيرة مخترعة تزعم فيها أنها تترجم عن عواطف فتاةٍ غيرها.
   ثم يتحدث مندور عن ألوانٍ من الوجدان من خلال نماذج لشعراء أثروا الأدب الحديث بالشعر الوجداني، ولولا ضيق المجال – كما يقول – لمضى في شرح كل من عاشروا الجماعة - (جماعة أبوللو) - دون أن يعيشوا في جوها، وهم شعراء يستحقون الحديث عنهم لأنهم يمثلون تيارات أخرى في شعرنا الحديث، بل ومنهم المستقلون الذين لم يسايروا تياراً معينًا، ثم مضى يتحدث عن"محمد فهمي"، و"صالح جودت"، وعبد العزيز عتيق".
   ويصل مندور إلى الحديث عن تيار الواقعية الاشتراكية مؤكداً أن حياتنا الفكرية والأدبية الراهنة تجري فيها - حتى اليوم - تيارات ثلاثة: تيار تقليدي، وتيار رومانسي (الوجدان الفردي)، وتيار واقعي اشتراكي (الوجدان الاجتماعي) وإن يكن من الواضح أن التيار الواقعي الاشتراكي هو الآن – في زمن مندور في خمسينيات القرن الماضي – الآخذ في الانتشار والسيطرة بفضل فلسفتنا السياسية والاجتماعية الجديدة، ويؤكد مندور على تعايش التيارات الثلاثة في آن معا، ولا يرى في ذلك غضاضة بل يرى أن أحدها لا يلغي الآخر بقدر ما يستفيد منه، بل يغتبط باستمرار التيارين التقليدي والرومانسي إلى جوار التيار الواقعي الاشتراكي الجديد فهما بنقدهما لهذا التيار الجديد سيساعدانه بلا ريب على استكمال وسائله.
   ثم يطرح نماذج شعرية تُمثِّـلُ هذه التيارات المتزامنة، فالتيار التقليدي يمثله عبد الرحمن صدقي من خلال ديوانه "من وحي المرأة"، وعزيز أباظه في ديوانه "أنَّات حائرة" وتَرجِعُ أهمية هذين الديوانين من موضوعهما النادر على مستوى الأدب العربي بل والعالمي، وهو أن يُوقِفَ الشاعرُ كُلَّ الديوان على الحديث عن الزوجة والوفاء لها حيةً وميتةً، وينطبق على هذين الديوانين من حيثُ الصياغة ما دعا إليه "أندريه شينييه" في الكلاسيكية الجديدة من"صب أفكار وأحاسيس معاصرة حية في قوالب قديمة".
 ويقف وقفةً سريعةً مع التيار الثاني: الرومانسي ( الوجدان الفردي) من خلال من أسماهم مندور بشعراء الأعراف مثل محمود أبو الوفا، ومحمد عبد الغني حسن، و محمود حسن إسماعيل، ثم يفرد أحمد رامي بحديث خاص عن غناء الوجدان وأثر أم كلثوم السيدة الفاضلة والموهبة العملاقة في شعره وحياته، وحبِّ رامي لها مما طَوَّرَ في انبعاثِ شاعريته، وتَفَجُّـر عاطفته في حين أن السيدة الفاضلة أم كلثوم لم تنله من نفسها منالاً ولا فتحت له أملاً، ومع ذلك ظل يشدو على نحو فريد في تاريخ الشعر الوجداني كله، وبجهد رامي وعطائه في شعر الأغنية، وكذا الشاعر إسماعيل صبري وبفضلهما ارتفعت الأغاني عن السوقية التي كانت تئن فيها، وبذلك ارتفع الغذاء الروحي الأول لأمتنا كلها وهو الغناء.
   وأما التيار الواقعي - الذي يمثل بحسب مصطلح مندور الخاص – (الوجدان الاجتماعي) في مقابل الرومانسية التي يسميها بالوجدان الفردي – كما سبقت الإشارة - فيقف منه موقف المرحِّبِ الذي يأمل فيه الكثير، وهو لمّا يكتمل – حين كتب مندور كتابه – ولمّا تتضحُ ملامحَه، ولكنه يستشرفُ بحسِّه النقدي الدقيق مستقبل هذا التيار الواعد، ويؤكد أن ولادة التيار الواقعي عند الجيل الجديد من الشعراء له أصوله الفنية التي تبلورت خلال تطورات ومعارك أدبية وشعرية متلاحقة، وربما كانت جِـدَّتُـه أوضح ما تكون في المضمون الاجتماعي... والنزعة الشعبية والدعوة إلى الحد من الأثرة، بل ومن الفردية وتركيز الاهتمام على المجتمع والشعب ومشاكله، ويضع مندور آماله ويعقدها في أشعار الشباب الذين يحبهم، ويعتز بهم، ويرجو أن تتفتح أزهارهم عن أطيب الألوان وأشذى العطور من أمثال صلاح عبد الصبور، وفوزي العنتيل، وكمال نشأت، وكمال عبد الحليم، وأحمد عبد المعطي حجازي... ونجيب سرور، ومجاهد عبد المنعم مجاهد، وأحمد كمال زكي وغيرهم ممن ينبض شعرهم بالوجدان الاجتماعي المتغلغل في وجدانهم الفردي.
   هذه الخارطة النقدية لمسيرة الشعر العربي الحديث تُعَدُّ من أهم ما تركه الدكتور محمد مندور من تراث نقدي وهي تدلّ على مواكبة متأنية ورصد للمشهد الشعري العربي المصري الحديث برؤية واعية وقدرة على تحديد معالم مسيرة الشعر العربي منذ بداية عصر البعث أو ما يسمى بعصر النهضة حتى ظهور بوادر التيار الواقعي الحديث.
ويتميز منهج مندور في هذا الكتاب بعددٍ من الخصائص لعلَّ من أهمها:
1-  أسلوبه الذي يمتاز بسهولة العبارة ووضوح المعنى وتكرار الفكرة الجوهرية، والربط بين أجزاء الكتاب السابق باللاحق، ولعلّ ذلك يرجع إلى أنها في الأصل محاضرات ألقاها على طلابه في قسم الدراسات الأدبية بمعهد الدراسات العربية العالية في مطلع الخمسينيات.
2-  يَـتَّبعُ مندور في حديثه عن الشعراء منهجًا محددًا يتمثل في التعريف بالشاعر مولده ونشأته وظروف حياته، ثم يرصد دواوينه ما نشر منها وما لم ينشر، ثم يُرَكّز الحديث عن ديوان أو قصيدة مهمة في تجربة الشاعر، ويقيمها أو يقيم مجمل شعره تقييما جمالياً ونقدياً، ويضع الشاعر في موقعه بالنسبة للمدرسة أو التيار الأدبي الذي يمثله.
3-  المواكبة في الحديث عن شعراء معاصرين التقى بهم الناقد وحرص على الأخذ المباشر عن بعضهم؛ ومن خلال السؤال والحوار معهم يستنتج قضايا جوهرية في تجربتهم وظروف شعرهم ومعيشتهم أيضاً تظهر في تقييمه لتجاربهم الإبداعية، كما في لقائه بمصطفي السحرتي، وأحمد زكي أبو شادي الذي الْتقاه في الإسكندرية حين جمعتهما جامعتها.
4-  يمتاز بلغة نقدية هادئة ورزينة، علمية غير هجومية، تصدر عن ثقافة موسوعية واطلاع في فلسفة الآداب ومناهجها العربية والأجنبية، فهو يحترم الماضي؛ ولكنه لا يسمح له بأن يهيمن على الحاضر، وقد تحققت له القيادة النقدية التي كان يرددها في مقولته الشهيرة "أريد أن أكون قائداً للقراء" وقد كان.
ثانياً: كتابه: (مسرحيات شوقي):
   نقفُ الآن على رافد آخر في مشروع مندور النقدي، والذي يفرد فيه حديثا كاملاً وكتابا خاصًا بعنوان"مسرحيات شوقي" وكان مندور قد أشار في كتابه السابق "الشعر المصري بعد شوقي" وفي لمحات سريعة إلى تجربة شوقي في الشعر المسرحي أو المسرح الشعري؛ حيث أبان في غير موطن بأن "عملاق المعسكر التقليدي قد أدخل في الشعر العربي الحديث فنَّ الأدب التمثيلي، وتبعه في هذا الاتجاه عزيز أباظه" (الحلقة الأولى، ص 30)، ويقول في موطن آخر "حَدَتْ ثقافةُ شاعرنا الكبير أحمد شوقي القاصرة واطلاعه المحدود على الآداب الغربية إلى أن يظن أن المسرح الشعري لا يزال هو المسرح السائد عند الغربيين والواجب الاتباع، فألّف مسرحياته الشعرية التي يغلب عليها الطابع الغنائي ولغة الشعر التقليدية عند العرب" (الحلقة الثانية، ص 13)، ويعرض في كتابه "مسرحيات شوقي" إلى حديث موسع عن العرب والأدب التمثيلي، ثم يبين التيارين الشرقي والغربي في مسرح شوقي، ويقف عند المادة الأولية لمسرح شوقي التي استقاها من التاريخ سواء من تاريخ مصر في (علي بك الكبير، ومصرع كليوباترا، وقمبيز) أو من تاريخ العرب (مجنون ليلى، وعنترة، وأميرة الأندلس) أو مستمدة من الحياة كما في ملهاته الوحيدة (الست هدى)، ثم يقيّم مندور مسرحيات شوقي وتجربته في كثير من الإنصاف، وقليل من الشدة التي يكون مبعثها معيار القياس بقواعد الأدب الغربي في المسرح، ويرصد ذلك بالمقارنة بين مسرحيات شوقي وعدد من نماذج المسرح الغربي مؤكدا أن "الاتجاهات النفسية عند الغربيين جاءت أكثر عمقًا وإيحاءً من الاتجاهات الأخلاقية التي اصطنعها شوقي مهما يكن نبل نزعته" (مسرحيات شوقي، نهضة مصر، ط2، 2005، ص 19)، ويرى مندور بأن"مسرحيات شوقي كانت ستلاقي نجاحاً أكبر لو أنها مُثِّـلَتْ كأوبرا، وعندئذٍ كان لابد أن يختفي ما لاحظه بعض النقاد أو معظمهم من أن هذه المقطوعات الغنائية قد جاءت أحياناً دخيلة على بناء المسرحية معوقة لسير أحداثها وتطورها نحو خاتمتها"، ويقول في موضع آخر بأن شوقي وضع مسرحياته لكي تُمثّل لا لكي تُغَنّى، فهي مآسٍ وملهاة لا أوبرا ولا أوبريت، والنقاد يفسرون ذلك بأن شوقي كان شاعراً غنائيًا أقحم نفسَه على الفن المسرحي دون أن يستطيع التخلص من طابعه الغنائي، وهذا النقد – كما يقول مندور – صحيحٌ ولكنه لا يذهب بقيمة هذا الإنتاج الأدبي الجميل"، وهكذا نرى كيف أن مندور قد وضع مسرحيات شوقي في ميزان النقد، ولكن وفق معيار المسرح الغربي دون النظر إلى خصوصية بيئته، ومرحلته، وظروفه الخاصة في مسيرة المسرح العربي عموما؛ وكعمل رائد أعطى للمسرح العربي من خلال فنها الأول الشعر حضورا في النفس العربية المتلقية في ذلك الوقت، وباعتبار شوقي يقدّم جديدا غير مألوف للجمهور العربي، وتعد مسرحيات شوقي بعد (مصرع كليوباترا) و(مجنون ليلى) – التي استفاد فيهما من النقد بلا شك – أكثر درامية وعناية بالحوار حيث قلَّتْ مقطوعات المناجاة – مع أن المناجاة كخاصية موجودة في مسرح شكسبير – وفي ذلك دليل على أن شوقي كرائد عظيم وشاعر مُتمكّن كان يتجاوز نفسه في كل عمل جديد ويطوّرُ من أدوات صياغته وتقنيات فَـنِّه باستمرار لو أنه أعطى المسرح منذ وقت مبكر جهدا يساوي جهده في الشعر الغنائي، ولكنه بلا شك قد قَدَّم للشعر العربي الحديث لونًا متميزا وبداية قوية، وفي النهاية نختم القول في هذه القضية التي تحتاج إلى بسط في التحليل ليس هنا مكانه وخاصة بأنها قضية ممتدة زمنيا منذ أن أثارها طه حسين في كتابه (حافظ وشوقي 1933)

 فقال"بأن شوقي أراد أن يمثّـل فغنّى"ثم تبعه بعد ذلك النقاد، ونجد أن من الإنصاف دراسة مسرحيات شوقي في إطار من النسق الثقافي والمعرفي والبنيوي لوضع تجربته في موضعها المناسب ونوافق الدكتور طه وادي في رأيه"بأن بعض النقاد – ولاسيما من جيل الرواد – كانت أحكامهم النقدية على مسرح شوقي غير مُنْصِفَة – أحياناً – لأنهم حاولوا أن يُطبِّـقوا عليه قواعد المسرح الأوروبي، ونسوا – دون وعي ربما - أنهم يدرسون مسرحاً عربـياً كتبه شاعر عربي لجمهور عربي، تعوّدَ على تذوق الحكاية والقصة والطرب والغناء والإنشاد، لذلك يجب أن نُقَوّمَ مسرحَ شوقي في ضوء متطلبات الوجدان العربي الذي ترك بصماتٍ مشتركةً على كل أشكال المسرح التي سادت في نهاية القرن الماضي وأوائل القرن العشرين"(طه وادي: شعر شوقي الغنائي والمسرحي، دار المعارف، ط5، ص 81).                 





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماذا تعرف عن الحيمة الخارجية؟!

أعمال ومؤلفات الدكتور إبراهيم أبو طالب ودواوينه الشعرية [مرتبة زمنيا بحسب صدورها ( 1999- 2023م)]

24- الأستاذ الدكتور إبراهيم الصلوي (أستاذ اللغة اليمنية القديمة)